إبراهيم نصر يكتب: فى ذكرى الهجرة: إذا استنفرتم فانفروا


مع بداية شهر المحرم بعد غد الخميس ـ وفقا للحسابات الفلكية - تحتفل الأمة الإسلامية بذكرى الهجرة النبوية المباركة، التى مهدت وأسست لبناء دولة الإسلام العظيمة التى كانت خيرا وبركة على الإنسانية كلها، إذ أخرجت الناس من الظلمات إلى النور، ومن الجور إلى العدل، برسالة الإسلام العالمية التى هى آخر رسالات السماء إلى الأرض، وختام الوحى بما نزل على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد عليه أفضل صلاة وأزكى سلام.
وكثيرا ما يتردد فى الاحتفالات بهذه الذكرى العطرة الحديث الصحيح، الذى رواه الشيخان البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث عائشة، ومن حديث ابن عباس، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا" ومعناه عند أهل العلم: لا هجرة من مكة بعدما فتحها الله على يد نبيه عليه الصلاة والسلام، وليس المعنى نفي الهجرة بالكلية، بل المراد: لا هجرة بعد الفتح يعني: من مكة إلى المدينة، لأن الله سبحانه جعلها دار إسلام بعد فتحها، فلم يبق هناك حاجة إلى الهجرة منها، بل المسلمون يبقون فيها.
والحديث يؤكد على أن المسلم ينبغي أن يكون دائما في حالة "جهاد" بمعنى السعي الدائم لفعل الخير وتصحيح النية، وأن يكون مستعدا للدفاع عن دينه وأمته إذا استدعى الأمر، وهذا ما نفهمه من قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ "وإذا استنفرتم فانفروا" أي إذا طلب منكم رئيس الدولة أو ولي الأمر الخروج للجهاد في سبيل الله، سواء كان للدفاع عن بلاد المسلمين أو لنصرة المظلومين، فانفروا: فإنه يجب عليكم الاستجابة والخروج للجهاد.
وجاء في الحديث الآخر الصحيح: "لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، فمن كان في بلاد الشرك واستطاع أن يهاجر فعليه أن يهاجر" كما قال الله سبحانه: "إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا" [النساء: 97].
وجاء فى تفسير الحافظ ابن كثير رحمه الله: إن الآية تدل على وجوب الهجرة، وقال: ذلك مجمع عليه بين أهل العلم أن الهجرة واجبة على كل من كان في بلاد لا يستطيع إظهار دينه، فإنه يلزمه أن يهاجر إلى بلاد يستطيع فيها إظهار دينه، إلا من عجز، كما قال تعالى فى الآية بعدها: "إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً - يعني: بالنفقة - وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا" - يعني: لا يعرفون الطريق حتى يذهبوا. "فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ"، و"عسى" من الله واجبة، والمعنى: فأولئك معفو عنهم، الرجل العاجز والمرأة العاجزة، وهكذا الولدان الصغار.
وفى صحيح البخارى حديث عبدالله بن عمرو عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "المُسْلِمُ مَن سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسَانِهِ ويَدِهِ، والمُهَاجِرُ مَن هَجَرَ ما نَهَى اللَّهُ عنْه"، وهذا الحديث من جوامع كلمه - صلى اللهُ عليه وسلم -، وفيه بيان أن المهاجر الكامل هو من هجر ما نهى اللهُ عنه، وهو الذي جمع إلى هجران وطنه وعشيرته هجران ما حرم اللهُ تعالى عليه.
والحديث يبين - في جلاء - أن الظواهر لا يعبأ اللهُ تعالى بها إذا لم تؤيدها الأعمال الدالة على صدقها، فنسأل الله تعالى أن يوفقنا دائما إلى هجر ما نهى الله عنه، وأن يجعل العام الهجرى الجديد عام خير وبركة على أمتنا المصرية، وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يوفق ولاة أمورنا إلى ما فيه خير البلاد والعباد.. اللهم آمين.
[email protected]