مقالات

محمد محفوظ يكتب: كشف المستور

خط أحمر

بالتأكيد من العنوان سأجد الكثير ممن يقرأون المقال في انتظار فضيحة وكشف المستور لموضوع ما، وهذا ما يحدث بالفعل عندما انتهكت الحرمات واستبيحت الأعراض وأصبح كل شئ متاح ومباح في العلن دون مراعاة الآخر، ولهذا ستجد عنوان تحت مسمى" بالفيديو أو بالصور وكشف المستور" ، فسرعان ما تجد الكثير من الناس يهرولون إلى الخبر أو الموضوع وكأننا أصبحنا نحب الفضايح، والأغرب أنه كلما كان الموضوع أكثر تفاهة ومحتواه لا يتعدى سوي مجموعة من  الفضايح تجده في نفس الوقت وللأسف هو الأكثر مشاهدة في عصر غابت عنه الفضيلة والأخلاق.

واسترجعت ذكرياتي فتذكرت عم "دوحة" وهو بائع الجرايد الذي كان يتجول في شوارع قريتي" بهوت " وينادي بأعلى صوته (اقرأ الخبر) ٠٠٠ويوزع على بعض الناس الجرايد ليقرأونها بأخبارها التي ربما تتضمن أخبارا مثيرة، دون أن يعبأ هؤلاء القرآء بمحتواها التشهيري ، فكنت أرى الرقي في هؤلاء الناس، أما الآن وللأسف أصبحنا نقرأ الأخبار ونبحث في مضمونها عن الفضائح التي باتت تُنشر بعناوين تجتذب المتابعين، لنعيش زمن تدني الأخلاق وتبدل المفاهيم والمعاني، فأصبحت الفضيحة مقترنة بالانفراد أو السبق الإعلامي على حساب تقصي الحقيقة، وأصبح لقب الحصري قاصرا على لغة البزنس، فأنا  لست ضد مكافحة ومقاومة الفساد وهذه ليست دعوة مني للتستر على الفاسدين، فهؤلاء لا يستفحل فسادهم إلا حينما تغيب المحاسبة الصارمة لهم.

ولعلنا نتذكر سويا ما قاله بعض السلف: الساكت عن الحق شيطان أخرس، والناطق بالباطل شيطان ناطق، فالذي يقول الباطل ويدعو إلى الباطل؛ هذا من الشياطين الناطقين، فعلينا أن نتصدى للفساد الأخلاقي بكل الطرق الشرعية والقانونية بعيدا عن نشر الفضايح و الخوض في الأعراض والتشهير ببعضنا البعض، فمن منا يا عزيزي لا يذنب، ونحن جميعا دون استثناء أصحاب ذنوب ومعاصي، وقد أكد على هذا رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم بقوله" والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، وجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله –تعالى- فيغفر لهم"، ومن رحمة الله تعالى بنا بأن رائحة الخطايا لا تفوح ، فتخيل معي لو كان للذنوب رائحة؟ لابتعد كل منا عن الآخر بالكيلو مترات، ولعلنا نتذكر كلمة "المسيح" عليه السلام وهو يقول" من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر " وكان هذا في حق إمرأة من بني إسرائيل أتهمت بالزنا.

ولعلنا نتعظ أيضا يا عزيزي من قصة كانت في عهد سيدنا موسى عليه السلام عندما جف المطر وطلب منه قومه أن يدعو ربه بالغيث وينزل عليهم المطر فصعد سيدنا موسى الجبل ودعا ربه بأن ينزل عليهم المطر فقال له ربه عز وجل يا موسى كيف أنزل المطر و بينكم عاص فرجع موسى إلى قومه وبلغهم بأن بينهم عاص ولن ينزل الله المطر إلا إذا خرج. فلم يخرج أحد ثم أنزل الله المطر فصعد موسى الجبل وقال لربه يا رب جمعت القوم وأبلغتهم بأن بيننا عاص فليخرج ولم يخرج أحد وقد أنزلت المطر. فقال سبحانه و تعالى يا موسى إني أنزلت المطر بعد ما تاب العاصي توبة نصوح فقال موسى لربه من هو يا رب حتى نعرفه، قال الله عز و جل لموسى يا موسى سترته وهو عاص فكيف لا أستره وقد تاب، يالها من نعمة عظيمة فكان من أسمائه تعالي "الستير" وقال أيضا صلي الله عليه وسلم عن زانية لقد تابت توبة لو قسمت على سبيعين من أهل المدينة لوسعتهم، ولهذا تجد أن أشر الناس منزلة عند الله يوم القيامة هو المجاهربالذنب الذي يستره الله ثم يأتي ويحدث الناس بها، فنعمة الستر هي من أعظم النعم التي ينعم بها الله على الناس، فمن يتتبع عورات الناس تتبع الله عورته ، ومن يتتبع الله عورته يفضحه في بيته.

ومن هنا أتصور أن المستور قد ينكشف عندما : تغيب الرجولة ويهرول الجميع ليفترس فتاة حتى ولو كانت في وضع سفور وتغيب النخوة عن الحضور وتشعر بأنك بالفعل تعيش حياة القبور ففي هذه اللحظة قد ينكشف المستور ، وينكشف المستور أيضا يا عزيزي عندما يكون الصحفي أو الإعلامي مأجور ويغيب عنه الضمير لينقل الحدث بتحيز وكل فجور، وينكشف المستور عندما يتبدل دور المعلم بعدما كان شمس المعرفه التي تشع بالنور، وينكشف المستور عندما تتعالي الأصوات بأغاني المهرجانات في الحرم الجامعي وتندثر القيم خلف سور، وينكشف المستور عندما تكون المقاهي للشباب مأوي ويكون دور النوادي وقصور الثقافه مبتور، وينكشف المستور عندما يغيب الرمز ويلقب بالأسطورة شخص كان بين المشاهير مغمور، وينكشف المستور عندما لم يعد للأب في التربية دور، وتكون الأم المثالية هي من تتراقص وتدور، وينكشف المستور عندما يغيب دور الخطيب على المنابر وتنادي الجوامع و الكنائس على أهلها وكأنهم أهل القبور، وبعد كل هذا يا عزيزي أتظن ألا ينكشف المستور؟!

محمد محفوظ كشف المستور خط احمر
قضية رأي عامswifty
بنك القاهرة
بنك مصر