هل تتحول ثروات إفريقيا غير المستغلة إلى محرك لنمو اقتصادي جديد؟


سلط مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، الضوء على التقرير الصادر عن البنك الدولي (World Bank) والذي أشار إلى إمكانات الموارد الطبيعية غير المستغلة في أفريقيا، ومدى إمكانية استخدامها كمحرك للتحول الاقتصادي، حيث ركز التقرير على الثروات الطبيعية لأفريقيا جنوب الصحراء وإمكاناتها الكبيرة لدعم النمو الاقتصادي وجذب الاستثمارات.
وأوضح، في الوقت نفسه التحديات المرتبطة بالاعتماد على الموارد وتقلب أسعارها، وأهمية وضع سياسات فعالة وتعزيز التكامل الإقليمي لضمان الاستفادة من هذه الثروات في مسار تنموي أكثر استدامة وشمولًا.
أوضح التقرير أن أفريقيا جنوب الصحراء تتمتع بثروة طبيعية هائلة يمكن أن تشكل محركًا لمرحلة جديدة من النمو الاقتصادي وجذب الاستثمارات، إذ تزخر المنطقة بمعادن وموارد بترولية وغازية ضخمة ما تزال غير مستغلة بشكل كافٍ، وكان يمكن أن تدر إيرادات ضريبية مهمة للحكومات، لكن التجارب السابقة تشير إلى أن استثمار الإمكانات المتاحة لم يكن دائمًا على النحو المأمول، حيث واجهت بعض الدول تحديات تمثلت في تعثر تنفيذ المشاريع أو إبرام صفقات محدودة الجدوى أو ضعف إدارة العوائد الحكومية، وهو ما أعاق بناء اقتصادات أكثر تنوعًا واستقرارًا، ومن ثم فإن تحقيق نتائج أفضل يستدعي صياغة سياسات فعالة تقلل من مخاطر الاعتماد المفرط على الموارد الطبيعية.
أشار التقرير إلى أن دراسة "مستقبل موارد أفريقيا" الصادرة عام 2023 سلطت الضوء على أن استخراج الموارد يشكل ركيزة أساسية لاقتصادات المنطقة، حيث يساهم بحوالي 30% من الإيرادات الحكومية، ويستحوذ على النسبة الأكبر من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ومع تطبيق سياسات أكثر فعالية، يمكن أن تضيف العوائد غير المستغلة نحو 20 مليار دولار سنويًا إلى موازنات الحكومات.
وتبرز أهمية ذلك في ظل امتلاك أفريقيا حوالي 30% من احتياطيات المعادن العالمية، في وقت يحتاج فيه الانتقال العالمي إلى الطاقة النظيفة إلى نحو 3 مليارات طن إضافية من المعادن بحلول 2050.
فالكونغو الديمقراطية تنتج ثلثي الكوبالت العالمي، وجنوب أفريقيا تمتلك أكبر احتياطيات من البلاتين والمنجنيز، بينما تظل زامبيا والكونغو من كبار منتجي النحاس الضروري للكهرباء والطاقة المتجددة.
وبحسب التقرير، يمثل الاعتماد المتزايد على عوائد الموارد تحديًا محتملًا، إذ شهدت المنطقة خلال فترة ارتفاع أسعار السلع بين عامي 2004 و2014 تحول عدد من الدول إلى مصدّرين رئيسيين، ليصل عدد الدول ذات الاعتماد الكبير على هذه العوائد إلى 26 من أصل 48 دولة.
ورغم تحقيق إيرادات مرتفعة، واجهت هذه الدول تقلبات في الأسعار وتحديات في الحوكمة والإدارة الاقتصادية، الأمر الذي زاد من هشاشة اقتصاداتها وقلّل من قدرتها على تنويع مصادر الدخل.
وفي هذا الصدد، أظهرت الدراسة أن القارة ما تزال غير مستكشفة بالكامل، إذ لا تجذب سوى 10% من الإنفاق العالمي على الاستكشافات المعدنية، أي ما يقارب 1.4 مليار دولار فقط في عام 2024. وهذا يعكس تقديرات ناقصة لاحتياطاتها الفعلية نتيجة قلة الاستثمارات وضعف البيانات الجيولوجية. ومن شأن تحسين جمع ومشاركة البيانات أن يخفف من مخاطر الاستكشاف ويعزز ثقة المستثمرين.
كما أن ضعف العقود والأنظمة الضريبية يؤدي إلى فقدان نحو 1.7% من الناتج المحلي الإجمالي المحتمل كإيرادات ضريبية ورسوم، ما يحرم القارة من موارد مالية يمكن أن تدعم التنمية وتحقق مكاسب بيئية مزدوجة عبر تقليل الانبعاثات والتكاليف الخارجية.
أوضح التقرير أن الوفرة في الموارد تمثل فرصة للانطلاق نحو التصنيع وزيادة القيمة المضافة محليًا قبل التصدير. إذ تحتاج أفريقيا إلى خلق ملايين الوظائف الجديدة وتحريك اقتصاداتها نحو قطاعات إنتاجية أكثر تقدمًا. وتُعد سلاسل القيمة الإقليمية والتوسع في الصناعات التحويلية وتنفيذ سياسات محتوى محلي ذكية عناصر أساسية لتحقيق هذا الهدف.
ويمكن لمنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA) أن تعزز هذه الجهود من خلال توحيد السياسات وتكامل الأسواق وتطوير البنية التحتية المشتركة، بما يدعم سلاسل إمداد عبر الحدود تخدم الصناعات الجديدة مثل البطاريات والسيارات الكهربائية. وتقدر إمكانات الاتفاقية بزيادة حجم التجارة البينية إلى 3.2 تريليون دولار.
وحذر التقرير من المخاطر المرتبطة بانتهاج استراتيجيات تنموية تعتمد بشكل أساسي على الموارد الطبيعية، موضحًا أن التجربة التاريخية خلال دورة ارتفاع أسعار السلع بين عامي 2004 و2014 أظهرت أن عددًا من الدول لجأ إلى استهلاك عوائد الطفرة بدلًا من استثمارها، الأمر الذي جعل اقتصاداتها أكثر عرضة للتقلبات وأسهم في تفاقم معدلات الفقر وعدم المساواة، على الرغم من زيادة الإيرادات العامة. ويبرز ذلك أن التدفقات المالية وحدها لا تكفي لضمان تحقيق تنمية شاملة ومستدامة.
أوضح التقرير في ختامه أن الثروات غير المستغلة في أفريقيا جنوب الصحراء، إلى جانب دورها المحوري في التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة، تتيح فرصة استثنائية لتحويل الاقتصادات. غير أن اغتنام هذه الفرصة يتطلب إرادة سياسية قوية وتصميم سياسات رشيدة، مع الاستفادة من دروس الماضي لبناء مؤسسات قادرة، وتسريع الاستثمارات المسؤولة، وضمان عدالة توزيع العوائد، وتعزيز التكامل الإقليمي عبر منطقة التجارة الحرة القارية، وإذا تحقق ذلك، يمكن أن يشكل قطاع الموارد أساسًا لنمو متنوع وشامل ومستدام، بدلًا من أن يكون مصدرًا لمزيد من الهشاشة الاقتصادية.

.jpg)










.jpg)























