خط أحمر
الجمعة، 10 أكتوبر 2025 06:57 مـ
خط أحمر

صوت ينور بالحقيقة

رئيس مجلس الإدارة محمد موسىنائب رئيس مجلس الإدارةهشام موسي

رئيس مجلس الإدارة محمد موسىنائب رئيس مجلس الإدارةهشام موسي

مقالات

الدكتورة ليلى الهمامي تكتب: اليسار غنيمة من غنائم الإخوان !

خط أحمر

من نافل القول أن اليسار العربي لم ينجح في أن يتحول إلى رقم أساسي في المعادلة السياسية، ومعادلة الحكم على وجه التحديد.

وعلى الرغم من أن اليسار، سواء كأحزاب شيوعية أو كتيارات راديكالية (تروتسكية، ماوية، ستالينية...) لم يتحول بالفعل إلى طرف مباشر في معادلات الحكم وتأسيس النظم، بقي اليسار في وضع ثانوي؛ لا يغادر المعارضة إلا ليشغل مواقع ثانوية.

ولكن الأساسي والمركزي في المعادلة الراهنة أن اليسار تحول إلى طابور خامس في عربة الإخوان: ملحق من ملحقات الإسلام السياسي، الذي يشكل أحد الألوان المزخرفة للمشهد السياسي، مجرد ديكور ملحق باللوحة السوداء لحكم الإخوان؛ وهم بدورهم لم ينجحوا في إدارة الدولة ولا في عملية التنمية، ولم تكن ممارساتهم سوى مخاتلة للمطلب الديمقراطي. وليس أدلّ على ذلك من مشروع دستور الإخوان في تونس قبل 2014، والنوايا المرتبطة بتوظيف التيارات السلفية الرجعية الأكثر تشدداً وغلوّاً.

اليوم يبدو أن اليسار تنازل نهائياً عن دوره الطلائعي، وأنه ألغى كل مواقف مبدئية في مواجهة الإيديولوجيا الدينية. حرب غزة، وهي المحطة الأخيرة، أثبتت وأكدت أن اليسار مستعد لتقديم كل التنازلات من أجل أن يكون مجرد غنيمة لمدوَّنة السياسة الإخوانية: إدانات مطلقة لكل من عارض الإخوان تحت مسوّغ المقاومة! الاعتبارات الإيديولوجية المتعلقة بتحديد طبيعة الطرح الإخواني تكشف أنه طرح معادٍ لتحرر الطبقات العاملة؛ الطرح الإخواني مهادن جوهرياً للتيارات الاستعمارية والهيمنة الجديدة، على اختلاف ألوانها وأشكالها. والعباءة الدينية كانت دائماً اللباس المحبّذ الذي تُلبس به المؤامرات الكبرى تحت شعارات "وحدة الأمة الإسلامية" أو "الدعوة إلى الرشاد" و"سبيل الخلاص".

المشكلة في اليسار أنه لم يَطرح في يوم من الأيام على نفسه مهمةَ الحكم. المشكل أن اليسار، في تاريخه الطويل الذي لا يخلو من تضحيات وآلام ونضالات، إنما كان إما ملحقاً من ملحقات النظم الحاكمة باسم "الواقعية" أو "الثورة من الداخل" و"اختراق البرلمانات" والرأي العام عبر الإعلام الرسمي وشبه الرسمي، وإما يتحالف مع الإخوان بحجة أن "المعارضة تُجمّع" وأن وحدة المعارضة تتطلب مجاوزة الصغائر.

والحال أن الخلاف بين الإيديولوجيا اليسارية والإيديولوجيا الدينية خلاف راديكالي، جذري، استراتيجي: خلاف بين الوعي وتغييب الوعي؛ بين مقاربات تنتمي إلى مرجعيات قرون وسطى تراهن على تغييب وعي الطبقات المنتجة للثروة، وبين قوى ناهمة لها. هذا هو العنوان الأبرز لليسار.

كل هذا البناء يتنازل عنه اليسار العربي من أجل أن يكون إحدى ملحقات "الربيع العربي". والكل يعلم أن إحدى اختراعات المخابر السياسية الأمريكية هي فكرة التحالفات العابرة للإيديولوجيات: تحالفات تراهن على أن يكون اليسار مجرد داعم ومهرّج ضد الأنظمة القائمة، من أجل وصول الإسلام السياسي إلى الحكم. وهذا ما حصل ويجري فعلاً: اليسار يثير الشغب ويشغل الحراك من أجل أن يعود الإسلام السياسي إلى الحكم — من خلال حركات شبابية، شبكات التواصل الاجتماعي، النقابات... كل ذلك بمساهمة تنفذ مخططاتٍ أمريكية. فمفهوم التحالفات العابرة للإيديولوجيات مكّن من بناء تحالف 18 أكتوبر في تونس، وحركة "كفاية" في مصر أثناء حكم مبارك.

ولا يزال التحالف متواصلاً في شكل جبهة الخلاص في تونس، ولا يزال متواصلاً في تركيا حول شخصيات مثل أيمن نور والإخوان المدعومين من تركيا وقطر.

هذه حقائق ومعطيات، وليست تهويمات نظرية أو فرضيات مجردة. يستمر هذا التحالف الشبيه بـ"زواج المتعة" الذي يمثل شكلاً من أشكال الانقلاب على جوهر الفكر اليساري في أشكاله الماركسية والماوية وحتى الستالينية — أساسيات اليسار.

المؤسف أن خطوط التماس والتباين فُسخت من أجل تنفيذ أجندات إمبريالية ومخططات أمريكية. الشرق الأوسط الكبير لن يُبنى إلا بتكتلات ضاغطة، ليست من أجل الحرية ولا من أجل الديمقراطية ولا من أجل حقوق الإنسان، بل من أجل ضرب السيادة الوطنية وانتهاكها.

هذه حقيقة. وسأعود إلى هذا التحالف الانتهازي الخطير في كل المناسبات التي تتطلب ذلك.

الدكتورة ليلى الهمامي اليسار غنيمة من غنائم الإخوان خط أحمر
قضية رأي عامswifty
بنك مصر
بنك القاهرة