العقيد حلمي زكي: نجاتي في الحرب كانت معجزة.. ورفعت علم مصر على جبل الطور


في الذكرى الـ52 لنصر أكتوبر المجيد، نستعيد مع العقيد البطل حلمي زكي أحد أبطال الصاعقة المصرية، حكايات البطولة التي سطّرها على أرض سيناء؛ من معارك الاستنزاف ورأس العش، إلى ملحمة العبور في أكتوبر 1973، وصولًا للحظة التاريخية برفع العلم المصري على سيناء تحديداً أعلي جبل الطور في 25 أبريل 1982، ضمن مجموعة الـ15 التي تسلّمت الأرض وأعادت للوطن كرامته كاملة.
تخرج العقيد حلمي زكي في الكلية الحربية عام 1969، وانضم لقوات الصاعقة، وكان أحد المشاركين في معركة رأس العش الشهيرة التي تعد أول رد عسكري مصري تسبب في خسائر ضخمة للعدو عقب النكسة، وبعدها واصل القتال في أكثر من موقع بسيناء خلال حرب الاستنزاف، حتى جاءت لحظة أكتوبر المجيدة.
منطقة الدفرسوار.. قلب الأحداث
يحكي عقيد أحمد عن أهم المشاهد أثناء حرب أكتوبر: "تمركزت في منطقة الدفرسوار الفاصلة بين الجيشين الثاني والثالث، وهي منطقة بالغة الأهمية حتى أن الرئيس أنور السادات وكبار قادة الجيش كانوا يتفقدونها بأنفسهم، كنت ضمن اللواء 16، المعروف بـ "لواء العظماء"، الذي ضم أسماء خالدة مثل المشير محمد حسين طنطاوي، واللواء صالح عبدالعاطي، واللواء محمد علي بلال، واللواء محمد عزت السيد، واللواء أبو بكر أحمد صالح، واللواء عبد الحميد عبد السميع، واللواء محمد أبو الغيط.. جميعهم رجال كتبوا صفحة من أنصع صفحات التاريخ العسكري".
وقبل اندلاع الحرب بأشهر قليلة، شارك حلمي زكي في تدريبات مكثفة ويقول: "من أبريل حتى أغسطس 1973 خضنا أكبر مشروع حرب لمحاكاة ما سيحدث فعلًا: عبور القناة وصعود الساتر الترابي لخط بارليف، كنا ندرك أن لحظة المواجهة اقتربت، وأن النصر أو الشهادة هما الخياران الوحيدان".
وعن دوره في الحرب يستكمل: كلفت بنقل ذخيرة تكفي وحدة كاملة قوامها 800 فرد، ضمن خمس سيارات، قدت سيارة جيب محملة بالدانات، وأنا أعلم أن المهمة قد تكلفني حياتي، كانت نسبة نجاتي صفر%، لكننا في الجيش المصري تعلمنا أن التضحية هي واجب مقدس، وأن الفداء شرف لا يتهرب منه أحد، من أصغر جندي حتى أكبر قائد".
تفاصيل تلك المعركة التي عاشها في قلب الحرب، كانت داخل نطاق عمليات اللواء 16 مشاة ضمن الفرقة 16 وشارك مع أبطال الكتيبة 18 بقيادة المقدم أحمد إسماعيل عطية كقائد ثان لسرية المشاة، وعبر مع قوات الصاعقة بين أنابيب النابالم التي قاموا بمواجهتها علي هط بارليف ضمن الموجات الأولى بمنطقة الدفرسوار.
ويستكمل: "نفّذت الكتيبة مهمة التوغل شرقًا أربعة كيلومترات دون أن تضربها طائرة إسرائيلية بفضل حائط الصواريخ، لكن القتال احتدم أثناء مسيرة نقل الذخيرة: جهّزت ليلة 6 أكتوبر خمس عربات محملة بكل الأعيرة، ووجهت السائقين صباح 7 أكتوبر عبر كوبري الفرقة 16 حتى اصطدمت عربات الإمداد بنيران مكثفة قرب حصن الدفرسوار.
في موقف حاسم، قررت أن أقدم بنفسي فخا — قدّمت سيارتي المحمّلة بست دانات ووقود لتتعرّض للانفجار فتخلف دخانًا كثيفًا يتيح لعربات الذخيرة المرور — لكن الانفجار جعلني في مرمى النار فتعرّضت لإصابة بالغة في الظهر ونزفت حتى شعَرت بشلل في نصفي الأيمن وبقيت إلى جانب النقطة حتى يسدل الليل ستاره.
نُقلت بعدها على كتف زملائي إلى قيادة الكتيبة، وأمر المقدم عطية بإخلائي إلى الغرب ومررت على قيادة الفرقة حيث قابلني قائدها وقتها المقدم محمد حسين طنطاوي فواسه وشجّعه، ثم نُقلت إلى مستشفى القصاصين ثم كوبري القبة حيث أُجريت جراحة دقيقة وأُخرجت شظيتان بينما بقيت ثالثة معه حتى اليوم؛ وزارتني حينها السيدة جيهان السادات و قالت لي " الشظية شرف".
بعد تعافيه النقيب وقتها رفض التعيين الإداري في إدارة المشاة فعاد إلى وحدته في الشرق، واستمر بالخدمة حتى 1976 حيث رُقي إلى رتبة رائد وعُين قائد سرية في الكتيبة 16 باللواء 16، وظل يُذكر علاقته بالملازم صدقي صبحي " وزير الدفاع لاحقاً "الذي استقبله بعد تخرجه ويكنّ له مدى الوفاء والامتنان.
استعادة سيناء ورفع العلم علي جبل الطور
لم تقف رحلة البطل عند ملحمة الحرب، بل امتدت إلى استعادة الأرض بالسلام وكان بعد المفاوضات من القوات التي تسلمت الأرض ورفعت العلم علي الأرض التي سالت الدماء لاستردادها، ويصف هذه الأيام: "تم اختياري ضمن مجموعة الـ15 التي تسلمت نقطة جبل الطور من إسرائيل بعد اتفاقية كامب ديفيد ، وعندما جاء يوم 25 أبريل 1982، وشهدنا إنزال العلم الإسرائيلي ورفع علم مصر عاليًا، اختلطت دموع الفرح بالفخر. وقتها أيقنت أن دماء الشهداء لم تذهب سدى، وأن كل شهيد يرقد مطمئنًا لأن حلمه قد تحقق."
يختتم العقيد حلمي زكي كلماته برسالة مؤكداً ان أكتوبر أنهى أسطورة الجيش الذي لا يُقهر، وأعاد لمصر شرفها ومجدها ،وستظل سيناء إلى الأبد مقبرة للغزاة، وأرضًا للكرامة والحياة.