الدكتورة ليلى الهمامي تكتب: نقد الإخوان واجب أخلاقي


بعض التيارات السياسية التي مثلت جزءًا هامًا من التاريخ السياسي، والذي أستند إليه بالنسبة لي لمعطيات الراهن وما يوجبه من نجاعة في التحليل وبناء الموقف.
الإخوان تأسسوا منذ عشرينيات القرن الماضي، خاضوا معركة الدعوة واقتحموا مجال السياسة، امتهنوا كل الأشكال، القانوني منها والمحظور، وظفوا الخطاب كما وظفوا السلاح. كانوا مع النظام كما كانوا عليه؛ تذيّلوا لبعض شقوقه وانقلبوا عليه. هم مكوّن أساسي من مكونات القرن العشرين، لا يمكن القفز على هذا المعطى لتجنب تهمة الإسفاف والمبالغة في نقد الإخوان.
الدافع الثاني لنقدي تجربة الإخوان هو تحول الإسلام السياسي إلى حجر الزاوية في الاستراتيجيات الأمريكية الموجّهة للشرق الأوسط وشمال إفريقيا بعد 11 سبتمبر 2001.
الإخوان ليسوا مجرد مكوّن من مكونات المشهد السياسي في المنطقة العربية، بل هم الجزء الإشكالي في جسم عربي مريض يحاول التعافي.
لست متحاملة على أي طرف، لكنني أعتبر أن "الجماعة" ليست بريئة من الاتهامات التي تلاحقها منذ أن تأسست، تمامًا كما أن انشغالي بهذه التجربة مردّه أن الإخوان تحوّلوا منذ 2011 إلى موضوع مراهنة من القوى الاستعمارية التي أرادت إغراق العالم العربي في ظلمات صراع التراث والهوية لتغذية منزع التقوقع والانغلاق والتعصّب...
لا أزال أستحضر فقه العلم والتخلّف الذي شكّل محورًا مركزيًا من محاور الاختراق الإخواني للفضاء العام... هذا المحور لخصه حوار بين الإخواني المصري وجدي غنيم ونائب رئيس حركة النهضة عبد الفتاح مورو، حيث أجاب مورو عن سؤال حول التعاطي مع العلمانيين: "غايتنا ليس همًّا بل أبناؤهم". هذا، والمعلوم أن وجدي غنيم هو صاحب النظرية العبقرية "لختان البنات"...
لست أَتجَنّى على الإخوان، وإنما أي متابع يمكنه أن يقف على أمرين: الأول أن الإخوان لا تعنِيهُم الدولة ولا يعتبرون المجتمع بقدر ما تستوعبهم الجماعة؛ فلا يرون غيرها وهم في الحكم، ولا يؤمنون إلا بقداستها.
هل من المبالغة أن نقول بأن الإرهاب ازدهر بالفعل زمن حكم الإخوان؟ وأنه تراجع وأفل بعد رحيلهم من الحكم؟
الإخوان يثابرون في انتهاج المغالطة ومحاولة الاستثمار في المظلومية للعودة إلى مواقع الحكم والتأثير. وليس ما تعرّضت له من قمعٍ غريبًا عن ممارساتهم السابقة.
الإخوان فوتوا على أنفسهم فرصة تاريخية لتحقيق مصالحة شاملة حول عقد اجتماعي يسكن للجميع حق الموجود والنشاط... لكنهم باشروا استحقاق الحكم بغطرسة المنتقم وعنجهية من اعتقد أنه في مأمن من خداع التاريخ...
الإخوان في تونس لم يُستهدَف منهم إلا الرأس؛ فالقيادة فقط من زُجّ بها في السجون، في حين أن الحركة لا تزال قائمة ونشيطة ولو وراء ستار...
لست من دعاة قمع أي طرف، لكن من حق كل طرف نقد الآخر وبيان حدوده...
العالم العربي يحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى لنَفَس تحرري يخلصه من فخ الرجعية والتخلّف ليكون بالفعل مؤهّلًا للتشكل الديمقراطي مكتمل الأركان والأبعاد... أكيد لا يغريني الخطاب الديمقراطوي للإخوان بعد أن غادروا الحكم وعادوا إلى المربع الأول بعد أن منحهم التاريخ فرصة الحكم والقيادة...
آسفة، لست من الذين ينبهرون بمسرحيات النضال اللامشروط؛ من قال إننا نناضل إرضاءً لله كاذب وسفيه حتى وإن تعرّض هو نفسه للقمع.
أتعاطف مع كل مقموع ولا أؤمن به بالضرورة.
لقد سعى الإخوان خلال حكمهم إلى تفكيك بنية الحياة السياسية باختراق الأحزاب وتفجيرها (نداء تونس، تحيا تونس، قلب تونس، مشروع تونس...).
راهن الإخوان على تفكيك كل الأحزاب للاستمرار كقوة فاصلة وحاسمة، موحّدة وسائدة. وإذا كان الأمر من جوهر العمل السياسي فإن نتائجه كانت كارثية على الإخوان أنفسهم، حيث كان عزلهم أمرًا هينًا ويسيرًا بعد أن عزلوا أنفسهم بأنفسهم عن المحيط السياسي...
هكذا حصل في تونس؛ فالإخوان بعد لقاء باريس بين راشد الغنوشي والباجي قائد السبسي والاتفاق على الحكم المشترك، انقلب الغنوشي على السبسي وأنكَرَه ليدعّم إثر ذلك يوسف الشاهد المنقلب بدوره على الباجي قائد السبسي...
لست من أنصار الاستثناء أو التصفية، لست من دعاة العزل، لكنني أرفض الرومانسية الساذجة التي توهمنا بديمقراطية مستقرة بألوان زاهية...
سأثابر في الدفاع عن حبهم وحق الجميع في الوجود، وسأواصل النميمة بحقي في مصارعتهم.