محمد عبد اللطيف يكتب: سلام القتلة فى واشنطن وتل أبيب


بعد تفكيك الاتحاد السوفيتي أثناء الحرب الباردة، كانت أوكرانيا ثانى أهم دول الاتحاد بعد روسيا، تمتلك ثالث أكبر ترسانة نووية في العالم، ترسانة مرعبة،لكن حدث أن تدخلت أمريكا للتخلص من تلك الترسانة، فى إطار سعيها للهيمنة على ثروات الدولة التى خرجت للتو من أحشاء الاتحاد السوفيتي، و في عام 1994، جلست أوكرانيا إلى الطاولة، و أمامها ورقة زائفة لأحلام وهمية و مستقبل مشحون بالرفاهية، وعلى كتفها ترسانتها النووية هي الثالثة في العالم، كما قلنا ، وكما هو معلوم.
أقنعوها " الأمريكان وعواصم النفوز في اوربا" أن الأمان و الاستقرار والتقدم، سيكون بالاندماج مع الغرب، وأن مفتاح الرفاهية في محلات الهمبرجر ، وزجاجات الكولا، وليس في الضغط على الزناد ، بل في التوقيعات على الورق والاتفاق على التوسع في الصناعات الاستهلاكية .
تنازلت أوكرانيا عن مكانتها كاحدى الدول المهمة في الاتحاد السوفيتى، سلمت بكامل قواها، وقعت بإرادتها الكاملة علي خيبتها، وانصرفوا جميعًا بعد أن شربوا كؤوس الخمر المعتق .
أمريكا التي منحتها "الضمانات"، وقفت على قمة التل، تقدم الوعود بالدعم، و في ذات الوقت تقايضها في الغرف المغلقة على ما تبقى من ثرواتها.
فالقوة التي كانت تمتلكها صارت ذكرى من الماضى، و المذكرة التي وقّعت عليها صارت نكتة سخيفة .
و لأن السياسة الأمريكية والبريطانية تسير على نهج متكرر ، لا يتغير ، الا أن الجميع يقع فى نفس الفخ المنصوب، لا احد يتعلم من الدرس، فقبل سنوات ليست يعيدة، جلس مفاوضو طالبان أمام الأمريكان على الطاولة، طالبوهم أن يتخلوا عن سلاحهم مقابل استقرار بلادهم ،ابتسم أحدهم وقال: "هذا السلاح هو الذي أتى بكم إلى هذه الطاولة، ولولاه، لما التفتم إلينا أصلاً، فكيف نُلقيه؟" وربما كان هذا هو السر في لهجة الأفغان والتعامل مع الأمريكان بندية.. وهذا يقودنى لسرد المزيد من الوقائع التى تؤكد تكرار تلك السياسات الجهنمية في العديد من البلدان التى سقطت، وذلك للعظة، والتفكر ، فالاحتلال لن يخرج إلا بالمقاومة والتضحيات.
اليوم،،،،، يرفع الإسرائيليون والأمريكان ذات الورقة، يطالبون حماس أن تلقي السلاح، وتدخل في "عالم جديد" بلا مقاومة، بلا قوة، بلا قدرة على الرد تحت لافتة وهمية اسمها السلام، و حقيقته منح المحتل مزيد من الحماية الدولية لارتكاب مجازر جديدة وعمليات تطهير عرقي وإبادة جماعية.
ان القوي المهيمنة علي القرار الدولي وبالأخص أمريكا ، ترفع الشعارات الإنسانية، وحكامها يطلقون التصريحات الدبلوماسية المغلفة بسوليفان السلام، و مفادها أن السلام لا يتحقق إلا بنزع السلاح، وفى هذا السياق يصبح لزاماً علينا طرح السؤال ، الذى أري أنه مشروع ،لماذا لا ينزع سلاح المحتل ؟ ، هؤلاء لا ينظرون إلى ذلك ، فقط يرددون، إن الأمن لا يأتي إلا بعد تجريد المقاومة الفلسطينية من سلاحها، وان كانت لي تحفظات شخصيةعلي حماس كفصيل فلسطينى، وعلى قادتها وعلى مرجعياتهم الفكرية، تجريدهم من الوسيلة الوحيدة لحماية انفسهم والدفاع عن أرضهم في ظل انهيار الشرعية الدولية.
يا سادة .. ان التاريخ يُعيد نفسه مهما تغيرت الوقائع، ومهما تنوعت الأحداث، أوتباينت المسافات .
حين سلم الهنود الحمر سيوفهم وأقواسهم لأعدائهم من العصابات المهاجرة والمغامرين من اوربا ،بدعوى التعايش السلمى و الايجابى، كانت النتيجة ، أنهم تعرضوا لأبشع المذابح العرقية، التي أزالتهم من الوجود.
وحين وثق الليبيون بوعود جنرالات إيطاليا، جاءتهم المقاصل والمشانق محملة علي السفن من روما ، ونصبت في صحراء بنغازى و سرت، وعلى أعوادها علقت الرؤوس لإرهاب الناس بهدف القضاء على فكرة المقاومة من الجزور .
و لنا في التاريخ نحن العرب مأسي كثيرة،فحين تهاوت دولة ملوك الطوائف، سلّم قادة الأندلس مفاتيح مدنهم وممالكهم، للحصول على الامان ، لكنهم لم يجدوا سوى محاكم التفتيش التي أحالتهم رمادا بعد الذبح والحرق .
قصد القول ، أن اليد التي تفرط في سلاحها، لا تستطيع أن تحدد معالم طريقها ، أو تكتب مصيرها، بل يكتبه لها عدوها بالحبر الأحمر الذى قعوار عليه .
وحماس تدرك تلك الحقيقة و تعرف هذا الدرس جيدًا، كما أن الطفل الذي عاش القسوة والجحيم في غزة يعرف أن البندقية التي تلقى اليوم، سترفع غدًا في وجه صاحبها و وقتها لن يفيد الندم .
ولذا، فإن علي حماس وغيرها من قادة المقاومة ،ان تقولوا علناً للإسرائيليين وللعالم كله: لن نكون هنودًا حمراً جددًا، ولن نرمي سلاحنا لنُساق إلى المحرقة .