الدكتور أحمد عبود يكتب: اتفاقية إبراهام.. وتأثيرها على مصر والشرق الأوسط


اتفاقية إبراهام التي وُقِّعت في سبتمبر 2020 بين إسرائيل من جهة، والإمارات والبحرين ثم السودان والمغرب من جهة أخرى، لم تكن مجرد اتفاقات تطبيع عادية، بل كانت خطوة استراتيجية ضمن مشروع أمريكي أوسع لإعادة تشكيل الخريطة السياسية والاقتصادية في الشرق الأوسط. الولايات المتحدة، بوساطة إدارة الرئيس دونالد ترامب وقتها، رأت أن الوقت مناسب لدمج إسرائيل بشكل علني ورسمي في المنظومة الإقليمية العربية، بعدما كانت علاقاتها ببعض الدول تجري في الخفاء لسنوات.
من منظور واشنطن، كان الهدف المعلن هو تحقيق "السلام" و"الازدهار"، لكن الواقع يكشف عن أهداف أعمق، أهمها تكوين تحالف عربي–إسرائيلي في مواجهة إيران، وتوسيع التعاون الأمني والاستخباراتي بين هذه الدول، وفتح الأسواق العربية أمام التكنولوجيا والاستثمارات الإسرائيلية، بجانب خلق ممرات تجارية ومشروعات طاقة جديدة تمر عبر إسرائيل نحو أوروبا، ما يقلل من الاعتماد على طرق النقل التقليدية. بالنسبة لأمريكا، هذه الاتفاقيات تحقق هدفين رئيسيين: ضمان أمن إسرائيل كحليف استراتيجي، وتثبيت النفوذ الأمريكي في المنطقة أمام صعود قوى منافسة مثل الصين وروسيا.
أما عن علاقتها بمصر، فيجب أن نتذكر أن القاهرة كانت أول دولة عربية توقع اتفاقية سلام مع إسرائيل عام 1979، ما جعلها لسنوات البوابة الوحيدة للتواصل العربي–الإسرائيلي. دخول دول عربية أخرى على خط التطبيع يقلل من هذا التفرد المصري ويخلق واقعًا جديدًا تتقاسم فيه أطراف أخرى أدوار الوساطة والتنسيق السياسي والأمني. كما أن مشروعات البنية التحتية التي تنوي إسرائيل ربطها بدول الخليج قد تنافس قناة السويس كممر تجاري عالمي، خاصة مع الحديث عن خطوط أنابيب وطرق نقل جديدة قد تمر عبر الأراضي الإسرائيلية وصولًا للبحر المتوسط.
على المستوى الأمني، وجود تنسيق استخباراتي مباشر بين إسرائيل ودول خليجية يعني أن واشنطن وتل أبيب لم تعدا مضطرتين للاعتماد على القاهرة كوسيط أو قناة اتصال في الملفات الأمنية الحساسة. وعلى المستوى الرمزي، فإن التطبيع العلني يقلل من الضغط العربي على إسرائيل فيما يخص القضية الفلسطينية، وهو ملف تحتفظ فيه مصر بدور محوري تاريخيًا، ما قد يضعها أمام تحدي الحفاظ على هذا الدور وسط تغيرات إقليمية متسارعة.
وفي ضوء ما سبق، فإن إبراز دور مصر في المرحلة المقبلة يتطلب تحركًا استراتيجيًا متكاملًا يحافظ على ثقلها التاريخي ويمنع تهميشها في المشهد الإقليمي الجديد الذي فرضته اتفاقية إبراهام. البداية تكون من تثبيت موقعها كوسيط رئيسي لا غنى عنه في القضية الفلسطينية، بما يضمن بقاءها المرجع الأول في أي مفاوضات أو تسويات. بالتوازي، يجب تطوير قناة السويس ومحيطها اللوجستي لتظل الممر التجاري الأهم عالميًا، مع إطلاق مشروعات إقليمية تجعل من الأراضي المصرية مركزًا للنقل والطاقة يربط بين الخليج وأفريقيا وأوروبا. كما أن الانفتاح على تحالفات ذكية مع الدول العربية والأفريقية، وتوسيع العلاقات مع القوى الكبرى، سيمنح القاهرة مساحة مناورة أكبر ويمنع انفراد أي طرف آخر بقيادة الإقليم. ولا يقل عن ذلك أهمية الاستثمار في القوة الناعمة المصرية، من ثقافة وإعلام وتعليم، لتصدير صورة مصر كقائد ورمز للاستقرار. وأخيرًا، فإن الدخول بقوة في مجالات التكنولوجيا والطاقة المتجددة سيضمن لمصر مكانة اقتصادية متقدمة، تجعلها شريكًا لا يمكن تجاوزه في أي ترتيبات مستقبلية.