يخيَّل إلى البعض أن بناء الأوطان هو بقرارات تُتَّخذ أو أوامر تُنفَّذ ، وأن مسؤولية النهوض تقع على عاتق قيادة وحدها ، أو تُحمل على كاهل شخص أو مجموعه . إن هذا التصوّر هو رؤية مخله لمفهوم الوطن ومعناه العميق .
الوطن ليس كياناً مستقلا أينما وضعناه وجدناه ، بل هو كيان حيّ يتنفس بأبنائه ، ويقوى بسواعدهم ، ويعلو بعقولهم وسلوكهم .
سألني ذات يوم طالب في مرحلة البكالوريوس بكلية الإعلام سؤالاً صادقاً أعجبنى ، قال : "يا دكتور كيف ننهض ونتقدم؟" فقلت له بكل وضوح : انهض بنفسك ينهض الوطن .
إن نهضة الامم لا تبدأ من القوانين وحدها ولا بالقرارات منعزله ، بل إن النهضة الحقيقية للأوطان هى نهضة الضمائر اولا نحو تطوير الذات.
أرى من وجهه نظرى أن لبنة بناء الوطن الحقيقيه تأتى من داخل كل فرد يُخلص في عمله ، ويتقن في علمه ، ويترفع بأخلاقه ، ويربي أبناءه على القيم والمبادئ .
دعونا نقف وقفة صدق مع انفسنا للحظات . هل تريد ان أن ترى وطنك مزدهراً ؟ دعنى اقول لك انظر أولاً في المرآة ، واسأل نفسك : ماذا قدّمتُ ؟ ماذا أصلحتُ ؟ ماذا غيّرتُ ؟
الوطن هو أنت ، و هو نحن ، و هو كل فرد يسير على ترابه . فحين تنهض بذاتك في موقعك ، أياً كان ، فإنك ترفع حجراً في بناء هذا الوطن . وحين تهمل أو تتكاسل ، فأنت تنزع طوبة من أساسه.
أن تكون وطناً، يعني أن تكون مسؤولاً عن دورك ، لا متفرجاً على غيرك . أن تبادر بعملك لا أن تتذمر بكلامك ، أن تصلح وتدعم من هم في دائرتك ومربعك لا أن تُفسد وتنبذ وتنقد .
كن وطناً في علمك ، تكن طوبه في بناء نهضة تعليم بلدك .كن وطناً في أخلاقك ، يكن المجتمع بالكامل نموذج للرقى والتحضر أنت سببه . كن وطناً في عملك ، تكن لبنة في بناء اقتصاد سليم . كن وطناً في بيتك ، يكن المجتمع سراجاً يضيء بك .
فالوطن ، في حقيقته ، ليس حدوداً جغرافية وفقط ولا شعارات مرفوعه وفقط ، بل هو منظومة من القيم والسلوك والمشاركة . فقط اجعل هذه المنظومه تسير في الاتجاه الإيجابي .
إن الوطن ليس شيئاً نطلبه، بل شيئاً نصنعه . فاذا اردت شيئا . كن وطنا يكن لك كل شئ.