من منا لا يحلم بالهدوء والرومانسية ومن منا يفتقد الأدب في المعاملة ورقي الأخلاق ومن منا يشتاق إلى لمة العائلة في الأعياد والمناسبات ومودة الجيران والسؤال عن المريض ومواساة المكروب ومجاملة الأفراح ومن منا غابت عن مسامعه كلمة الوفاء بالعهد والانضباط فى المواعيد والإخلاص في العمل ومن منا يفتقد نظافة الشوارع وسعة الارصفة والحفاظ على الأشجار ومن منا هفت نفسه للمبانى الجميلة والبيوت الهادئة الآمنة وجمعة الأحباب والأصدقاء وتذكر حبه الأول لبنت الجيران ومن منا أختزن فى ذهنه كلمة البيت الكبير وعميد العائلة والعيب والحرام ومن منا شاقت نفسه لمشاهدة أفلام زمان بالأبيض والأسود.. أفلام فاتن وماجدة وشكرى وعماد ورشدى وحسين رياض.

ومن منا لم يحلم بالعيش فى الزمن الجميل زمن بدون موبايلات ولا إنترنت ولا شاشات ملونة ولا تلوث ولا صراع لتأمين لقمة العيش التى اضطرت البشر للكذب والنفاق والفهلوة وارتكاب كل مايندى له الجبين من موبقات وكم منا أطربه عبد الوهاب والست وفريد وحليم ونجاة وفايزة فأصابه الغثيان من أصوات النشاز هذه الأيام أتحدث يا سادة عن زمن المحبة والمودة زمن الأبيض والأسود وأنقل لكم ما قاله فكرى باشا أباظة شيخ الصحفيين عام 1932( إن الشاب الصفيق من هؤلاء يتعمد الوقوف على رصيف محطة الترام بالقرب من المكان المخصص لركوب السيدات وعندما يجد سيدة تقف بمفردها يقترب منها بمنتهى البجاحة ويقول لها دون سابق معرفة بنسوار يا هانم) هذا وصف للانحلال والتسيب فى ذلك الزمن الجميل زمن مساء الخير يا نينة ونهاركم سعيد.

كم أتمنى أن أولد ثانية وأعيش واستمتع بذلك الزمن الجميل وأن أمحو من ذاكرتى كافة أنواع التلوث السمعى والبصرى والحسى الذى عاصرته وعانيت منه فى هذا الزمن القبيح زمن يقتل فيه الابن أباه ويشعل آخر النيران فى أمه وتتآمر الزوجة مع عشيقها لقتل زوجها وتلك تقطع جسد زوجها أوصالا وتلقى بها فى مكب النفايات زمن ينحر فيه الأخ أخاه بسبب الميراث زمن اختلاط الحلال بالحرام وضياع الأخلاق والمبادئ وانعدام صلة الرحم وتفشى عقوق الوالدين والانحلال الأخلاقى والرقص العارى فى الساحل الشمالى زمن تدخين البنات للشيشة والتحدث بأسلوب فج وتبادل أقذع الألفاظ مع شلتها من البنات والأولاد.

زمن يتدلى فيه البنطلون على مؤخرة الشاب فى انتظار نسمة هواء ليسقط وتسقط معه كل القيم والأخلاق أن تبقى منها الشيء اليسير زمن المخنثين الذين ينادون بالمثلية وحقوق الشواذ وكم تمنيت لو عاد بيّ العمر ألا أنمو وأكبر في هذا المستنقع وأظل طفلًا بريئًا غاية مراده أن يشاهد أفلام إسماعيل ياسين وأنور وجدي ويلعب كرة شراب واستغماية ويسعد بالحصان الحلاوة فى المولد ويرتجف إذا قابل مدرسه بالصدفة فى الطريق ويخاف نظرة غضب من أبيه ويستمتع بتعليق محمد لطيف.