مقالات

الدكتور محمد اليماني يكتب: مصر والتوجه نحو التنمية المستدامة خلال تمويل الاقتصاد الأخضر

خط أحمر

تمتلك مصر العديد من الفرص في مجال التمويل الأخضر والتي يمكن أن تساهم بشكل كبير في تعزيز وضعها كمركز لتجارة الطاقة واستثماراتها في ضوء الإمكانات والفرص المتاحة في قطاعات الطاقة المختلفة وخاصة المتجددة منها ، وان رؤية مصر في تحقيق النمو الأخضر ترتكز على توفير فرص عمل وسبل عيش كريم ، وتعزيز التحول العادل الى أنماط الإنتاج والاستهلاك المستدام ، تقوم على الأسس العلمية والاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية والامتثال لاعتبارات كفاءة الطاقة ، وتحظى مصر بموقع جغرافي مثالي يدعم تطوير منشآت ومرافق جديدة لوقود الهيدروجين الأخضر بما يلبي احتياجات العالم منه ، ومن المهم هنا ان نبدأ بتعريف ما يلي :

*التنمية المستدامة* هي عملية تلبية احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها الخاصة، وهي التنمية التي تحقق النمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي مع الحفاظ على البيئة، وتأخذ بعين الاعتبار حسن استغلال الموارد المتاحة، وتهدف التنمية المستدامة الى تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي وحماية البيئة وتحقيق العدالة الاجتماعية، مما يتطلب التعاون والجهود المشتركة من قبل جميع الفاعلين في المجتمع، ويمكن أن يسهم في خلق عالم أفضل للأجيال الحالية والقادمة.

*الاقتصاد الأخضر* هو نظام اقتصادي يركز على تحقيق النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة مع الحفاظ على البيئة والحد من المخاطر البيئية، ويهدف إلى تحسين رفاهية الإنسان وتقليل الفقر من خلال تعزيز كفاءة استخدام الموارد الطبيعية، وتقليل التلوث، وتطوير القطاعات الاقتصادية بطريقة مستدامة مثل الطاقة المتجددة والزراعة العضوية والنقل النظيف مما سيؤدي إلى تحسين المساواة بين الإنسان ورفاهه الاجتماعي ، وهو نوع من الطرق المنظمة لإنشاء مجتمع وبيئة نظيفة ترفع من المستوى الاقتصادي وتدفع المجتمع نحو حياة أفضل، وتحافظ على موازنة البيئة من جميع أشكال التنوع البيئي. ، ويُعتَبر الاقتصاد الأخضر الشامل اقتصاداً منخفض الكربون ، وهو وسيلة لتحقيق التنمية المستدامة، ولا يعد بديلاً لها ..

*والتمويل الأخضر* هو ذلك التمويل الذي يراعي خلال تحقيق النمو الاقتصادي البعد البيئي (بتقليل الانبعاثات ورفع كفاءة استخدام الموارد الطبيعية ) وهو تمويل الاستثمارات الصديقة للبيئة، بما يمكن من تحقيق فوائد بيئية على صعيد التنمية المستدامة. ويعد التمويل الأخضر مجموعة من المنتجات والخدمات المالية التي تراعي العوامل البيئية في جميع مراحل وعمليات الاقتراض، وإدارة المخاطر، وتشجيع الاستثمارات المسؤولة بيئيًّا، وتحفيز الأعمال والصناعات التي تقلل الانبعاثات الكربونية.

*الاقتصاد الدائري* هو الاقتصاد الذي يهدف إلى ترشيد استهلاك المواد والموارد وإعادة تدويرها، واستخدامها بكفاءة وبطرق صديقة للبيئة للتقليل من الانبعاثات الكربونية، ويعتبر نهج لصناعة واستخدام الأشياء بطريقة تهدف إلى تقليل الفاقد والحفاظ على الموارد، بالإضافة إلى الاحتفاظ بالمواد والمنتجات واستخدامها لأطول فترة ممكنة من خلال مشاركتها وتأجيرها وإعادة استخدامها وإصلاحها وتجديدها وإعادة تدويرها. عندما يصل منتج ما إلى نهاية عمره، يتم إعادة تدوير مواده واستخدامها في منتجات جديدة.

وتتمثل اهم أدوات التمويل الأخضر في كل من السندات الخضراء والقروض الخضراء وتعرف السندات الخضراء بأنها نوع من الديون التي تصدرها المؤسسات العامة او الخاصة لتمويل نفسها وعلى عكس أدوات الإئتمان الأخرى ، فانها تلتزم باستخدام الأموال لمشروع بيئي او مشروع يتعلق بتغير المناخ ، في حين تعرف القروض الخضراء بأنها تستخدم لتمويل (جزئيا او كليا) المشروعات الخضراء الجديدة او القائمة كالرهون العقارية الخضراء والقروض المعنية بتحسين كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة ، والممارسات الزراعية المستدامة او تمويل النقل النظيف .

وتمتلك مصر العديد من الفرص في مجال التمويل الأخضر منها : قيام الحكومة في سبتمبر 2020 بإنشاء اطار التمويل الأخضر ، وأصدرت لأول مرة سندات خضراء بقيمة 750 مليون دولار بأجل 5 سنوات وعائد 5.25 % وفي مايو 2022 تم اطلاق الإستراتيجية الوطنية لتغير المناخ حتى 2050 وتعد مصر مركزا لتجارة الطاقة واستثماراتها ( بها مصادر ثرية في مجال الطاقة الشمسية والرياح والكتلة الحيوية ) وقد ارتفع اجمالي الاستثمارات الخضراء في مصر منذ اصدار السندات الخضراء من 15% في اخر 2019 الى 50% في مطلع 2025 ، وجدير بالذكر ان مصر قد قامت في نوفمبر 2022 بتحديث اطار التمويل الأخضر لدمج المشروعات الاجتماعية ضمن اطار جديد للتمويل السيادي المستدام شاملا السندات الاجتماعية والمستدامة والصكوك والقروض والسندات وأنواع أخرى من أدوات الديون المستدامة ، وتحظى مصر باهتمام دولي لتعزيز تحولها الى الاقتصاد الأخضر ففي مارس 2023 وافق البنك الدولي على شراكة لمصر بتكلفة 7 مليار دولار للفترة 2023-2027 لدعم الجهود الرامية الى تحقيق نمو شامل ومستدام ، كما تلقت مصر تمويلا للمناخ من المؤسسات الدولية ( من UNDP و GEFF) لدعم جهود التخفيف ، وفي نوفمبر 2022 وقعت مصر مذكرة تفاهم مع المفوضية الأوربية لتأسيس شراكة استراتيجية في مجال الهيدروجين المتجدد ومشتقاته ودعم أنشطة تحول الطاقة ، ووقعت المنطقة الاقتصادية لقناة السويس مذكرات تفاهم مع عدة دول لإنشاء منشآت لإنتاج الهيدروجين الأخضر والأمونيا في العين السخنة بالسويس ، وتأتي مصر في المرتبة الثانية افريقيا بعد جنوب افريقيا فيما يتعلق بالسندات الخضراء.

وقد وضعت مصر بالفعل خططا لزيادة امدادات الكهرباء من الشمس والرياح وفقا لإستراتيجية الطاقة المستدامة المتكاملة حتى 2035 والمستهدف توليد كهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بنسبة 42% عام 2030 وبنسبة 65% عام 2040 ولتحقيق التحول الى اقتصاد مستدام فمن الضروري تعبئة راس المال نحو الأنشطة التي تعزز الاستدامة وتقلل من الآثار البيئية السلبية، وعلى مصر الاستفادة من كل الفرص الواعدة التي يمكن استغلالها لتعظيم اثر التمويل الأخضر ومواجهة التحديات المتعلقة بالقطاعات المالية والموارد البشرية والخبرات والبنية التحتية للبيانات والمخاطر المناخية والوقود الأحفوري ..

خلال السنوات السبعة الماضية حددت مصر عدد من المتطلبات لخلق المناخ الداعم لتمويل المناخ، كان أولها إيجاد التمويل القادر على فهم تغير النظرة إلى البيئة على المستوى الوطني، والتشريعات والإجراءات المنظمة لذلك من بينها ما يلي : .

* مرفق تمويل الاقتصاد الأخضر في مصر، هو برنامج مقدم من قبل البنك الأوروبي الإعادة الإعمار والتنمية، بالتعاون مع الوكالة الفرنسية للتنمية، وبنك الاستثمار الأوروبي.

• ويقدم برنامج تمويل الاقتصاد الأخضر في مصر، التمويل والاستشارات لقطاع الأعمال الخاص لتحسين القدرة التنافسية.

• يدعم مرفق تمويل الاقتصاد الأخضر في مصر، التحول للاقتصاد الأخضر بتمويل قدره 140 مليون يورو ، خاص باستثمارات كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة صغيرة الحجم.

• ‏ مرفق تمويل الاقتصاد الأخضر في مصر، يعد قصة ملهمة ونتاج عمل لمدة ٦ سنوات، منذ بداية العمل على تصميم تمويل المناخ في مصر، لتشجيع القطاع الخاص على المشاركة في تمويل مشروعات المناخ.

• مرفق تمويل الاقتصاد الأخضر في مصر، يسعى لتمويل المناخ بما يحمله من مشروعات للتخفيف والتكيف، فى قطاعات الطاقة بشكل عام باعتبارها الأكثر انتاجا الانبعاثات.

• مرفق تمويل الاقتصاد الأخضر في مصر، يعكس جانب هام للمساهمة في تنفيذ خطة المساهمات الوطنية المحددة ومشروعات التكيف.

• مرفق تمويل الاقتصاد الأخضر هو جزء مما حققته مصر من خطوات فارقة، لبناء نظام لتمويل المناخ، والذي بدأ بدعم من صندوق المناخ الأخضر، بتقديم مساهمات هامة في مصر سواء على مستوى التخفيف في قطاع الطاقة خاصة باستثمارات تتجاوز نصف مليار دولار وأيضا دعم مشروعات التكيف.

• وضع الإجراءات المنظمة كان خطوة هامة لدعم تنفيذ الاستراتيجيات، من بينها وضع أول حزمة من الحوافز الخضراء، للقائمة الأولى من القطاعات ذات الأولوية في مصر، وهي الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر وإدارة المخلفات وبدائل الأكياس البلاستيكية أحادية الاستخدام، بالتوازي مع مميزات قانون الاستثمار التي يتم منحها لذات القطاعات.

* هناك ثلاث قطاعات هامة لدعم التحول الأخضر في مصر، على رأسها قطاع إدارة المخلفات، خاصة بعد وضع أول قانون لتنظيم إدارتها.

وفي اخر ابريل 2025 شهدت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، فعالية ختام المرحلة الأولى من آلية تمويل الاقتصاد الأخضر، الذي ينفذه البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، وأكدت ان آلية تمويـل الاقتصاد الأخضر تجسد التزامنا المشترك بتعزيز المرونة، ودعم الشمول، ودفع عجلة الاستدامة البيئية قدمًا، موضحة أن الآلية في مرحلتها الأولى ساهمت في ضخ تمويلات بقيمة 154 مليون دولار استفادة منها 130 مشروعًا مما أتاح الفرصة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر لتبني الابتكار والتقنيات المستدامة. ومن خلال الجمع بين الدعم الفني والحوافز المختلفة، فقد أسهمت المبادرة في خفض التكاليف التشغيلية، وتعزيز القدرة التنافسية، وبناء أساس قوي لاقتصاد أخضر شامل، ومرن، ومستدام، ورحبت بإطلاق المرحلة الثانية من الآلية، والتي توسّع نطاقه ليشمل مشروعات التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معها، بما في ذلك الإدارة المستدامة للأراضي، وممارسات الاقتصاد الدائري، وكفاءة استخدام الموارد. والتي سيتم في إطارها تخصيص نحو 175.5 مليون دولار للقطاع الخاص في مصر من خلال البنوك التجارية، بما يعكس التزام الحكومة المصرية المستمر بخفض انبعاثات الكربون، وتعزيز التنافسية، ومعالجة الأولويات المناخية العاجلة ، وأكدت أن تلك الجهود تتسق مع توجه مصر الأشمل والأوسع في مجال التمويل المناخي، في ضوء المساعي العالمية الهادفة لحشد الحلول التمويلية المبتكرة، لاسيما في ظل الحاجة العالمية إلى تمويل مناخي يُقدّر بـ ٧،٤ تريليون دولار سنويًا بحلول عام ٢٠٣٠، حيث أصبحت مصر دولة رائدة على المستوى الإقليمي، من خلال الاستفادة من التمويلات التنموية الميسرة، وآليات التمويل المبتكر، وبرامج مبادلة الديون من أجل تعزيز العمل المناخي ، وذكرت أنه في القلب من هذه الجهود، تأتي المنصة الوطنية لبرنامج نُوَفِّي (NWFE ) محور الارتباط بين المياه والغذاء والطاقة - والتي تمثل تحولًا نوعيًا في العمل المناخي المتكامل. فالمنصة، التي تستند إلى الاستراتيجية الوطنية للمناخ ٢٠٥٠، تُعد نموذجًا شاملًا للتكيف والتخفيف، يعزز المرونة، ويتماشى مع الأهداف المناخية العالمية. كما تُبرز ريادة مصر في تعبئة آليات تمويل مبتكرة تضمن الشمول والاستدامة على الصعيدين الوطني والإقليمي.

د.م / محمد سليمان اليماني

رئيس المجلس العربي للطاقة المستدامة

[email protected]

الدكتور محمد اليماني مصر التنمية المستدامة تمويل الاقتصاد الأخضر خط أحمر
قضية رأي عامswifty
بنك مصر
بنك القاهرة