محطات في حياتي •• المحطة الثانية
اللواء دكتور أحمد زغلول يكتب: حينما تقودنا الأحلام إلى ميادين الشرف


في عمرٍ لا تتجاوز فيه الأحلام خارج جدران الغرفة وحين تكون الآمال بسيطة ولكن صادقة وقفتُ في المرحلة الثانوية العامة على مفترق طرق بين حلم الطب وعشق الفن ونداء الوطن .
كنت طالباً ملتزماً مجتهداً لا أتأخر عن درس ولا أتوانى عن مذاكرة أُكنّ الاحترام لأساتذتي وتربطني بهم علاقات طيبة قائمة على التقدير وكان أملي كبيراً في أن ألتحق بكلية الطب البشري ذلك الحلم الإنساني النبيل أو إن لم يتحقق فأملي التالي كان الالتحاق بالمعهد العالي للسينما – قسم الإخراج حيث كانت روحي تهيم بعالم الفن والإبداع .
البدايات •• عندما لمس الفن قلبي
كانت اللحظة الفارقة حين أُتيحت لي الفرصة وأنا لا أزال في الثانوية العامة أن أحضر كواليس تصوير فيلم “دعوة خاصة جداً" من بطولة كوكبة من العمالقة يحيى الفخراني وفريد شوقي ونورا وحسين الشربيني ومن إخراج المبدع القدير عمر عبدالعزيز، الذي أعتز بقرابتي له وفنه كانت تجربة استثنائية غرست في داخلي عشق الإخراج السينمائي وأيقظت شغفًاً دفيناً بأن أكون يوماً ما على رأس فريق فني يصنع حكايات الواقع الذى نعيشه .
لكن لم تأتِ نتيجة الثانوية كما تمنيت وجدت أمامي اختيارات :
• كلية الزراعة
• كلية الحقوق
• المعهد العالي للسينما
ثم جاءت المفاجأة الجميله التي غيّرت مجرى حياتي كلياً ظهوري في نتائج اختبارات الكلية الحربيه
القرار المصيري •• عندما نادى الوطن
لم يكن القرار سهلاً لكنه كان نابعاً من وعي أسري صادق جلستُ مع والدي رحمه الله ووالدتي رحمها الله وأخي الغالي أمجد زغلول مهران واتفقنا أن الالتحاق بالكلية الحربية هو الطريق الأوسع لصناعة مستقبل يحمل الكرامة والشرف والواجب وأن الوطن في حاجة إلى رجال يدافعون عنه لا بالكلمات فقط بل بالأفعال وهكذا بدأت رحلتي إلى عرين الأبطال
الكلية الحربية مدرسة الرجال وعرين الوطنية .
منذ اللحظة الأولى أدركت أنني دخلت مكاناً لا يشبه سواه ليست مجرد كلية بل مؤسسة لصناعة الشخصية الوطنية تعلمت فيها معاني الرجولة والانضباط والصبر والشجاعة والمثابرة والانتماء والعمل تحت الضغط تعلمت أن الولاء لمصر ليس شعاراً بل سلوكاً يومياً يُمارَس في كل لحظة في تلك الأيام بدأت أفهم معنى أن تنهض فجراً على نوبة الاستيقاظ لتقضي يومك بين التدريبات الشاقة والمحاضرات والتعليمات وتعود إلى سريرك في نوبة النوم منهكاً جسدياً ولكن مشبعاً بالانتماء كانت هناك لحظات تعب كثيرة نعم لكنها لحظات فخر متواصلة ووسط هذا كله كان لرفاق الدرب من الزملاء دورٌ عظيم كنا سنداً لبعضنا البعض كنا نُشكّل عائلة واحدة تسند نفسها بنفسها وتواسي بعضها عند التعب وتُشجّع بعضها لتحقيق التفوق علمت معهم معنى الأخوّة الحقيقية التي لا تُبنى على الدم بل على العرق والتضحية .
“الواجب .. الشرف .. الوطن” – ثلاث كلمات صنعت رجالاً
شعار الكلية الحربية ليس مجرد جملة بل هو ميثاق حياة يتعلّمه كل طالب ويعيشه كل مقاتل :
الواجب
هو كل ما يجب أن تفعله بإخلاص دون تقاعس أو تأخير في أي وقت وتحت أي ظرف هو أن تؤدي دورك بكفاءة ولو كلّفك ذلك راحة أو حياة الواجب لا يُؤجّل ولا يُنتقى بل يُنفّذ بكامل الإيمان .
الشرف
هو أن تعيش نقياً مستقيماً صادقاً أميناً والشرف في المؤسسة العسكرية لا يُقاس بالرتبة بل بالسلوك كل من خدم بشرف هو قائد وكل من ضحّى بإخلاص هو قدوة .
الوطن
هو كل ما نملك كل ما نحلم به وما لا نحتمل ضياعه الوطن هو التراب الذي نُدفن فيه والراية التي نحملها والقيم التي نعيش ونموت من أجلها .
الكبار الذين مرّوا من مصنع الرجال
أشعر بفخر لا يوصف أنني خطوت على ذات الأرض التي سار عليها هؤلاء العظماء :
• الفريق الشهيد عبدالمنعم رياض:
قُتل في الصفوف الأمامية في حرب الاستنزاف وكان رمزاً للقيادة الشجاعة .
• العميد الشهيد إبراهيم الرفاعي:
قائد المجموعة 39 قتال أحد أبرز أبطال حرب أكتوبر وكان أسطورة في العمل خلف خطوط العدو .
• الشهيد محمد زرد:
رمز نادر للشجاعة في حرب أكتوبر المجيدة .
• المشير أحمد إسماعيل:
قائد حرب أكتوبر قادنا إلى أعظم نصر في تاريخنا الحديث .
• المشير محمد أبو غزالة:
مفكر استراتيجي جمع بين الحنكة العسكرية والرؤية الوطنية .
• المشير حسين طنطاوي:
رجل دولة حكيم خدم مصر بإخلاص في لحظات فارقة .
• المشير عبدالفتاح السيسي: قائد وطني آمن بالشعب المصري في أحلك الظروف وقاد سفينة الوطن نحو الاستقرار .
• الرئيس انور السادات:
صانع النصر والسلام الذي علّمنا أن الكرامة لا تُشترى .
• الرئيس جمال عبدالناصر:
زعيم الثورة والقومية الذي آمن بقوة الشعب .
• الرئيس حسنى مبارك:
قائد القوات الجوية في حرب أكتوبر وصاحب بصمة عسكريه لا تُنسى .
فى نهاية المحطه •• سلاحي لا أتركه فقط حتى أذوق الموت
اليوم وأنا أسترجع تلك المحطة من حياتى أقول بكل ما في قلبي من إيمان وولاء :
لن أترك سلاحي قط حتى أذوق الموت تمسّكي بسلاحي ليس خياراً شخصياً بل عهد لا ينكسر في إطار القانون وتحت راية الدولة وباسم مصر سلاحي ليس فقط ما يُحمَل باليد بل ما يُحمَل في القلب من حب لهذا الوطن واستعدادٍ دائم للدفاع عنه وعزيمةٍ لا تهزم أمام المحن .
لقد علّمتني الكلية الحربية أن أكون رجلاً لا يخشى في الحق لومة لائم وأن أظل على العهد حتى آخر نفس الرجال يُقاسون بمواقفهم لا بكلماتهم وأنا أعاهد الله وأعاهد وطني أن أظل وفياً للواجب والشرف والوطن حتى الرمق الأخير من حياتى .
حين تنظر خلفك وتجد أن كل خطوةٍ خطوتها كانت في سبيل الوطن تدرك أن حياتك لم تكن ملكاً لك وحدك بل كانت ذراعاً من أذرع الدولة ونبضاً من أنفاسها وقطرة من دمائها الزكية لم أكن يوماً طامحًاً في مجد شخصي أو طالباً لرتبة أو ساعياً إلى شهره بل كنت ولا أزال جندياً وفياً في صفوف من سبقوني ومن سيأتون من بعدي تعلمت في الكلية الحربية أن السلاح ليس قطعة معدنية تُحمَل بل شرف يُحمَل في الضمير وإيمان يُزرع في القلب وعهد لا يُنكث وأقولها بملء اليقين :
لن أتخلى عن رايتي حتى تُنكس روحي بين أيدي الله سلاحي هو عهد الرجولة هو التزامي تجاه كل طفل ينام آمناً وكل أم تبكي شهيدها وكل شاب يبحث عن فرصة وكل تراب ارتوى بدماء الأبطال لن أساوم على وطني ولو كان الثمن حياتي لن أُفرّط في شرف القسم ولا في دماء من سبقوناً ولن أقبل أن تضعف مصر أو تنحني أو تُختطف هويتها على مرأى من رجالها لقد علمتنى الكلية الحربية هذه القاعدة :
إنْ سقطتَ في المعركة شهيداً فأنت حيٌّ في القلوب وإنْ متّ على فراشك دون أن تؤدي واجبك فقد متّ مرتين
في كل خطوة وفي كل منصب تقلدته وفي كل مسؤولية حملتها ظلّ صوتٌ بداخلي يقول :
“تذكّر •• أنت ابن هذا التراب وقد تربيت على أن تحميه لا أن تتفرج عليه"
ومن هنا أُوجّه رسالتي إلى كل من لا يزال يبحث عن معنى لحياته :
اجعل لوطنك نصيباً من وقتك ومن قلبك ومن علمك ومن مالك ومن حلمك اجعل له كل ما تستطيع لأنه إن ضاع الوطن فلن يبقى لنا شيء نستحقه .
توصيات من القلب لأبناء الوطن الحبيب
للشباب:
• اجتهدوا على أنفسكم بالعلم والانضباط فالنجاح ليس صدفة بل خيار .
• آمنوا ببلدكم رغم كل التحديات الوطن كالأم لا يُترك مهما كانت الظروف .
• لا تتنازلوا عن أحلامكم ولكن اربطوها بخدمة الوطن فالنجاح الحقيقي هو الذي يبني بأيدى ابناؤه .
• تحلوا بالشجاعة الأخلاقية لا تخافوا على وطنكم طالما فيه اوفياء يحبونه وانحازوا دائماً لرفعته واعلموا ان للوطن أعداء ودائماً متربصون له لذا يجب تقفوا خلف قيادتنا الحكيمه التى تصنع السلام فى غزه وتعمل من اجل الاستقرار وازدهار الوطن .
• كونوا قدوة في كل شيء في الكلمة وفي العمل وفي الأخلاق وفي حب الوطن .
لكل أفراد المجتمع:
• انقلوا للأجيال قيمة الوطن لا بشعارات بل بسلوككم اليومي في عملكم وفي معاملاتكم وفي عدلكم وفي أمانتكم .
• ساندوا القياده السياسيه الحكيمه والقياده العسكريه الواعيه وكل مؤسسات الدولة من أجل البناء لا من أجل التبرير .
• كونوا عيوناً للوطن على الخير وآذاناً له في كشف الفساد وأذرعاً له في الإصلاح .
• اجعلوا من بيوتكم مدارس للوطنية ومن شوارعكم ميادين للأخلاق .
وللقادة وصناع القرار:
• لا تنسوا أن الشباب هم الوقود الحقيقي للتغيير استمعوا إليهم وراهنوا عليهم وامنحوهم الثقة .
• ادعموا الفن الهادف والعلم الحقيقي والتكنولوجيا والإبداع فهي أدوات بناء الأمن القومي الحديث .
• كونوا قدوة في النزاهة حتى يؤمن الناس بمستقبل هذه الدولة العريقة .
يا مصر
يا من وُلدنا على ترابك ونموت على عهدك يا من تُربينا على الصبر يا من زرعتِ في صدورنا حبك مثلما نزرع شجر الزيتون في أرضٍ لا تموت .
عهداً عليّ أن أبقى حاملاً سلاحي سلاح الفكر وسلاح الحق وسلاح المبدأ وسلاح الفداء حتى آخر لحظة في حياتي إما أن أعيش مدافعاً عنك أو أُدفَن على أرضك شهيداً ولأبنائك كل ما أملك ولكِ كل حبي ولكِ كل انتمائي وولائى •• تحيا مصر بشعبها وقياداتها وقواتها المسلحه وجبهتها الداخليه