الدكتور ظريف حسين يكتب: لماذا ماتت الفلسفة في العالم الإسلامي.. وعاشت في العالم المسيحي؟!


سؤال دائما ما تتقاذفه الأذهان، سواء من المسلمين المتحسرين علي بعض ماضيهم الذهبي، أم من أولئك المخالفين الشامتين.
و لكن إذا ما علمنا أن الفلسفة نشأت في اليونان قبل ظهور المسيحية والإسلام، فإن هذا معناه أن الأوربيين منتجون فلسفيا، بغض النظر عن الأديان، وهم بعد ظهور المسيحية كانوا قادرين علي مجادلة الإلهي بالإنساني؛ لدرجة أن المسيحية التي نشأت في فلسطين، أعيدت صياغتها في اليونان، فعادت كأنها يونانية الأصل، و ما زالت، حتي الآن، محتفظة بنصها اليوناني، وكان ذلك، بالنسبة لها، ميلادها الثاني.
فالسؤال السابق إذن ليس في موضعه، وأي إجابة عنه ستكون خاطئة؛ ذلك أن وضع السؤال نفسه خطأ. وهناك دليل تاريخي يدعمني، وهو ازدهار الفلسفة الإسلامية في عصور سابقة، حتي أن الفلسفة اليونانية، وإن كانت قد وُلدت في اليونان، فقد أعيدت صياغتها في شروح المسلمين وتأويلاتهم، وخاصة ابن رشد الذي أصبحت له مدرسة معروفة في أوروبا باسم"الرشدية"، والتي صارت، مرة أخري، بمنزلة ميلاد جديد للأرسطية وشيءٍ من الأفلاطونية.
وهذا يعني يقينا أن الفلسفة استمرت في العالم المسيحي؛ لأن المسيحية كانت قد باتت "فلسفية" في مدرسة الاسكندرية القديمة، وخاصة عند ڤيلون، أما في العالم الإسلامي فالقضية مختلفة تماما: فالإسلام يري في نفسه كفاية ذاتية عن أي فلسفة، من جهة، ولاختلاف درجات ازدهاره فكريا باختلاف البيئات الحاضنة، من جهة أخري، وخاصة ما كان يتعلق بأمزجة الخلفاء والسلاطين الشخصية، كما كان الحال عن خلفاء الدولة العباسية؛ فكان منهم المشجعون الداعمون للفكر الفلسفي ولعلم الكلام، وكان منهم الخانقون. ولقد ظل الفكر الديني حتي هذه اللحظة رهين الظروف الخارجية، وتوظيفه سياسيا، سواء من الحكام أم من جماهير المؤمنين.