على ضفاف نهر النيل الخالد وإلى الجنوب من مدينة أسوان  تقع بلاد النوبة المصرية الأصيلة أو أرض الذهب كما كان يطلق عليها القدماء منذ الآف السنين، بكل ما فيها من عبق الروائح والوجوه السمراء الباسمة والطيبة، الذين يشبهون النيل في كرمه وسخائه‏..‏ فاسمها العبقري الذي يشتق من كلمة (نوب) والتي تعني باللغة المصرية القديمة الذهب يدلل على التضحية والطيبة والجود والعطاء الذهبي،‏‏  حيث أنها تشتهر بمناجم الذهب التي كانت تسمي نوبرية‏ ..‏ ومن بين أهلها ظهر أول فرعون وهو الملك مينا موحد القطرين‏‏ الذي تزوج من الملكة نفرتاري الجميلة وهي نوبية الأصل،‏ وحين غزا الهكسوس مصر استعان الملك أحمس بالصناع المهرة من أبناء النوبة في إعادة بناء الجيش المصري الذي طرد الهكسوس‏، وكان الذراع اليمني لصلاح الدين الأيوبي ، ونظرًا لما تتمتع به من تاريخ حضاري طويل، فإن تراثها الشعبي يتسم بالعراقة والثراء، والتنوع، كما أن له خصوصيته التي تميزه عن غيره في بقية أرجاء الوادي .

فعن النوبه وسعادة والبسمة التي بدأت تكسو وجوه أهلها الطيبين اليوم أتحدث في يوم (الوفاء بالوعد) ، فمن زمن الرئيس جمال عبد الناصر مروراً بالرئيس السادات والرئيس حسني مبارك وتولى المجلس العسكري والرئيس المؤقت والرئيس الإخواني لم تحل مشاكل أهالي النوبة من أبناء مصر إلا على يد الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي وعد وأوفى بحل جميع المشاكل التي تواجه أبناء مصر من أهالي النوبة، ممّن أضيروا من بناء وتعلية خزان أسوان وإنشاء السد العالي، والتي طالما أثارت الجدل محلياً ودولياً، حيث أقيمت احتفالية كبيرة في العشرين من شهر يناير الجاري بالتزامن مع العيد القومي لمحافظة أسوان في ذكرى افتتاح السد العالي، ذلك الصرح العظيم الذي يقف شامخًا في جنوب مصر مجسدًا لإرادة الشعب المصري، وكفاحه من أجل بناء الوطن ، الأمر الذي يؤكد على اهتمام القيادة السياسية بمشاكل النوبه وتعويض أهلها كنوع من الوفاء بالعهد.

فاتصور أن ما شهده ملف النوبة من تحركات متسارعة، وخطوات متتابعة على طريق الحل الجذرى، يعود فى المقام الأول إلى مبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسى، وتعاطيه الجاد مع رسائل أهالى النوبة، بالكيفية التى يتعاطى بها مع كل الأمور المتصلة بمصالح المواطنين، واضطلاعه بمهمة إصلاح أوضاع موروثة منذ 115 سنة فى تلك القضية الحيوية، بالجرأة نفسها التى أصلح بها أمور الاقتصاد والعمل التنفيذى والاستثمار والمشروعات القومية وهياكل التحديث والتنمية المستدامة، فأهالينا من أبناء النوبة هم جزء أصيل من نسيج الشعب المصري، الذى تحرص الدولة المصرية على حل مشكلاته من خلال وضع حلول جذرية لها دون اللجوء إلى المسكنات، بعدما وجه الرئيس السيسى، فى ختام المؤتمر الوطنى الثانى للشباب بمدينة أسوان، والذى عُقد فى يناير عام 2017، بحل مشكلة المتضررين من بناء وتعلية خزان أسوان وإنشاء السد العالى ممن لم يسبق تعويضهم والبالغ عددهم نحو 11 ألفا و716 مستحقًا، منهم 3851 مستحقا لتعويض المتضررين من بناء وتعلية خزان أسوان، والمطلوب تقنين الأراضى المقامة عليها مساكنهم مجانًا فى 15 منطقة بمدينة أسوان، بجانب 4758 مستحقًا للتعويضات الزراعية، فضلاً عن نحو 3107 مستحقين للتعويضات السكنية حسب رغبة المستحق سواء داخل المحافظة أو بمحافظات أخرى أو بتعويض مالى بواقع 225 ألفا عن المسكن.

 وقد جاء هذا الحضور الحكومي لاحتفالية (يوم الوفاء بالوعد) بهذا المستوى الرفيع برأيي ليؤكد على أن الاهتمام بصعيد مصرالذي أصبح واقعًا يلمسه كل مواطن ويراه في الإنجازات التي تتحقق يومًا بعد يوم، وتأكيدًا في الوقت نفسه على أن الإهمال الذي عانى منه صعيد مصر خلال عقود مضت صار صفحة في كتاب الذكريات، وقد طويت بغير عود، بعدما وضعت الدولة استراتيجية واضحة الأهداف للإسراع بالتنمية الشاملة لمناطق الصعيد وكفالة تنفيذها بِمُشاركة أهلها مع مُراعاة الأنماط الثقافية والبيئية للمجتمع المحلي، والتي يتم تنفيذها في إطار الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للدولة ... وختاماً أقول أن ما تقوم به القيادة السياسية الآن كردٍ للجميل ووفاء بالوعد لأهلينا في النوبة مجرد سطر من ألف سطرٍ سطًر بها التاريخ تضحيات أهل النوبة الكرام بأحرف من نور، فتهانينا لأهل النوبة الأنقياء وتحياتنا ممتدة لأهل أسوان المقربين إلى عقلِ وقلب كل من تطأ قدماه أرضهم الطيبةَ، مهد الحضارةِ، ورمز التحدي، ونبع الحياة .. ولتحيا مصر برعاية ربها وبتكاتف أبنائها وتضحياتهم التي لن تنتهي.