دينا ياسين تكتب: الست الجميلة ملهاش صاحبة!


آسفة.. ظننتك رجلًا!
(الست الجميلة ملهاش صاحبة)، والجملة ليست اتهاما ولا مبالغة، بل وصف دقيق لحقيقة اجتماعية ونفسية عميقة. لأن الجمال، رغم أنه في ظاهره نعمة، إلا أنه في باطنه اختبار صعب للروح قبل الشكل.
الجمال يعرِّض صاحبته دائمًا لنظرات متناقضة: إعجاب وغيرة، انبهار وحذر، احتواء ورفض. والجميلة تفضل واقفة في المنتصف، بين الحب الذي يخاف منها، والغيرة التي تبتسم في وِشَّها.
الست الجميلة لما تدخل مكان، تغير ميزان الطاقة من غير ما تنطق.
ليس لأنها تتعمد، لكن لأن وجودها يحرك شيئا داخل الآخرين. كل ست ترى فيها انعكاسًا لحلمها أو نقصها، وكل رجل يرى فيها تجربة ممنوعة أو رغبة مؤجَّلة. وبدل ما تُعامل كإنسانة لها قلب، تُعامل كرمز أو كخطر محتمَل.
هي لم تطلب أن تكون ملفتة، لكن خلقت هكذا. لتدفع ثمن نظرات الناس، وتتحاسب على شكلها قبل نواياها، وتتحاكم على حضورها قبل كلمتها. تبقى طيبة؟ يقولوا تتصنَّع. تبقى رزينة؟ يقولوا مغرورة. تضحك؟ تبقى مستفّزة. تسكت؟ تبقى متكبّرة. دائمًا في حُكم جاهز، ولا مساحة حقيقية لفهمها كإنسانة تتعب وتفرح وتخاف مثل أي حد.
الست الجميلة تعرف الوحدة بدري. ليس لأنها غير اجتماعية، لكن لأن الصداقة بالنسبة لها معادلة دقيقة.
صاحبتها ممكن تحبها في لحظة وتغار منها في اللحظة التي بعدها.
الكلام الحلو يتحول لنغزات، والضحك لمقارنات، والود لحسابات.
فتتعلم أنها تخفي تعبها، وتضحك وهي موجوعة، لأنها تعرف أن قليل الذي يصدق إن الجميلة ممكن تتأذي.
المجتمع يخاف من الجمال، يمكن لأنه غير قادر يتعامل مع تأثيره. فالجميلة دائمًا موضوعة في قفص من الأحكام المسبقة: “أكيد متصنعة”، “أكيد مغرورة”، “أكيد عندها نيّة”.
وعلشان كده، تعيش بحذر، تراقب كلماتها وتوازن خطواتها كأنها تمشي على خيط رفيع فوق بحر من الظنون.
لكن الجميلة الواعية تفهم إن الجمال الحقيقي ليس في الملامح، بل في الوعي الذي يحميها، والاتزان الذي يحكمها، والنضج الذي يجعلها تعرف إن النعمة لو لم تصن تتحول نقمة. تفهم إن قيمتها ليست في العيون التي تلاحقها، بل في السلام بداخلها.
الست الجميلة ليس لها صاحبة، ليس لأن فيها كِبر، لكن لأن كثيرا من الذين حولها غير قادرين يروها ببساطة.
كل واحدة ترى فيها حكايتها المؤجلة، وكل راجل يرى فيها المستحيل الجميل. فتعيش الجميلة بين الحذر والرغبة، بين الدفاع عن نفسها، والحنين إلي حب حقيقي من غير خوف ولا غيرة ولا صراعات .
ومع الوقت، تتعلّم الجميلة أنها تكون سند نفسها. ولا تنتظر سندا، لأنها جرّبت كثيرا وتعلمت أن بعض الأكتاف خناجر ناعمة! وكتف اليوم قد يكون خنجر الغد. ومع كل مرة وقعت فيها، طلعت أقوى، أكثر وعيًا، وأقرب لنفسها.
وفي النهاية، تفهم إن الجمال ليس في الملامح التي تبهت مع الزمن، لكن في الثقة التي تظل ثابتة بعد كل العواصف، وفي الهالة الهادية التي تحيط بها وهي مرفوعة الرأس، عارفة قيمتها، ومقدرة نفسها، فاحترمها الجميع.
والأهم لا تبررى وجودك أو طيبتك لأن طاقتك نور، وليس كل الناس مؤهلة تتعامل مع النور .
فالست الجميلة فعلاً ليس لها صاحبة، لكن عندها صاحبة واحدة تكفيها: نفسها، وكفى.