الدكتورة جيهان رفاعي تكتب: مكانة المرأة الصعيدية فى المجتمع


المرأة الصعيدية كيان أخر من النساء، انتقت من سمرة الجنوب قوة وجبروت على استحياء، نهلت من النيل وأرتوت التضحية والعطاء، ومن الجبال استمدت قوة تحملها، المرأة الصعيدية شجرة لا تذبل، تمنح ظلالها بدون مقابل فهى رمز العطاء المتفانى وبذل الذات، لا تتوقف عن توريق مشاعرها ومسؤولياتها وحرصها على بيتها وأولادها فهى كالنحلة فى خليتها تعمل ليلا ونهارا لتطرح الشهد وتمنحه لمن حولها شهيا و لذيذا، أثوابها مطرزة بالتعب والسهر، رائحتها يفوح منها الأصالة والطيبة، أطباقها مليئة بالحب والحنان، فهى كالشمعة تحترق لتضىء لمن حولها، هى المواساة واليد الحانية فى ليال قاسية، وهى الكلمة الدافئة التى ترمم الإنكسار والضعف، الوردة التى تذرف نداها دمعا إن أصاب أحدهم خطب أو عطب، سحابة تمطر ولا تتوقف حتى تزدهر قلوب من حولها ورودا وتروى تربة عقولهم أفكارا مستنيرة، وقد حث ديننا الإسلامي على حسن معاملة المرأة وتقدير مكانتها وضمان حقوقها المادية والمعنوية، وعلى نبذ العنف الموجه اليها على إختلاف أشكاله، فهى المرأة التى نبعت قوتها من كأس ظلمها و حماقة المجتمع ضدها، ورغم مظاهر العنف حيالها، الا أن أصالتها استحضرت لها احترامها وحرمتها، فهى تحافظ على تقاليدها وتراثها وطقوسها منذ زمن الفراعنة، تستخدم الطب الشعبى والأعشاب للتداوى بجانب طقوسها الخاصة فى الزواج والميلاد والموت، تحافظ على الهوية والتراث، وكل ذلك بجانب إستخدامها للتكنولوجيا والعلوم الحديثة فهى تشاهد المسلسلات والأفلام المصرية و الهندية والتركية وبرامج الطبخ والبرامج الثقافية وتتأثر بطريقتهم فى الملبس والمأكل، وتستخدم الإنترنت وجميع وسائل التواصل الإجتماعي، والمرأة الصعيدية هى المحرك الأساسى فى كل ما يخص شئون بيتها الداخلية وأهم عنصر داخل البيت، كما أن لها دور كبير فى إدارة الشئون الخارجية بطريقة غير مباشرة، تتميز بحب التضحية مما يجعلها دائما قليلة الحيلة ظاهريا ولكنها تستخدم حكمتها المدفونة داخل فطرتها لتفرض سيطرتها برقة على كل ما يجرى من حولها، فهى تفرضها على أولادها بالشدة تارة، والعاطفة تارة أخرى، فلا يمكنهم إتخاذ أى قرار دون أن يكون قد نال رضاها وفطنتها، وفى النهاية يبدو القرار نابع من رجالها سواء زوجها أو أبنها الأكبر، حرصا منها على هيئته العامة ووضعه أمام الناس، لا تتردد في تحمل كل أنواع القهر من أجل حفظ ماء وجه عائلتها، لا يوجد لها مورد أخر للعيش أو مأوى سوى بيت زوجها وكثيرا ما نراها العمود الفقري الذى يلتف حوله عائلتها، فهى الوتد لا تسمح بأى إنقسام، ولها كلمتها التى يسمعها الجميع. فالمرأة فى الصعيد ليست إمرأة ضعيفة، هشه، مقهورة، مغلوبة على أمرها كما يتصور البعض، لكن المتعمق قليلا يكتشف أنها قوية وذكية لكن بطريقتها الخاصة، يحتاجها الرجل فى تدبير كل أموره ولكنه أحيانا يهينها فى العلن، فهى تعانى من التعنيف كغيرها من النساء، تعاتب احيانا بكونها المخطئة فى كل شىء، المذنبة فى حالة إنجاب الاناث، الجانية فى حالة مرض أبناءها أو موت زوجها، كما يمارس عليها احيانا الحرمان من الميراث، لا تشارك سياسيا لأرتفاع نسبة الأمية أو لرفض الرجل مشاركتها، تحركها فى الفضاء العام محدودا ويتوقف على ما يقبله زوجها، لكنها تظل إمرأة مميزة، قوية، ذكية تعرف محيطها بشكل كبير، تحقق مكاسب بذكاءها فهى محل إعتماد رجلها بالكامل.
ولا تختلف ظروف المرأة فى الصعيد عن المرأة فى القاهرة، فالجميع يتعرض لنفس المعاناة ولكن بنسب متفاوتة ولكن الإنفتاح الثقافى الآن بعد أن أصبحت وسائل الإتصال والتكنولوجيا الحديثة داخل كل بيت فى الصعيد أصبحت الفروق بين أنماط الحياة تتقلص، ولا يوجد مجتمع مغلق على نفسه تماما، ولكن يظل مع هذه التغيرات المحرك الأساسى للمرأة هى تربيتها وعادات أهلها وتقاليد بيئتها وهى الأقوى تأثيرا من مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها فالجوهر لم يمس، وتظل المرأة الصعيدية جوهرة مكنونة محاطة برعاية رجالها النبلاء، ولكن يظل أبرز ما تحتاجه المرأة فى الصعيد هو التعليم لأنه فرصتها الوحيدة لتحسين وضعها فى المعادلة الإقتصادية والإجتماعية الصعبة لتكون قادرة على العمل وإيجاد الوظيفة المناسبة لها مما يساهم فى تغيير أفكار الرجال نحوها فيما يتعلق بسوق العمل وما يمكن قبوله أو رفضه وتغيير هذا المجتمع الصعيدى المشحون بالموروثات الثقافية والدينية الخاصة بالمرأة بجانب التعقيدات الطبقية والقبلية تحت قشرة رقيقة من التحضر و التمدين.

.jpg)










.jpg)






















