محمد موسي يكتب : “صفقة ما بعد الحليف”.. هل تبيع روسيا الأسد لتبقى في سوريا؟


الساحة السورية تشهد هذه الأيام تحولات غير عادية، أشبه بمحاولة جديدة لإعادة رسم خريطة المنطقة. فحين يخرج أبومحمد الجولاني، المعروف باسم أحمد الشرع، ليطالب روسيا علنًا بتسليم الرئيس السوري السابق بشار الأسد لمحاكمته، لا يمكن اعتبار الأمر مجرد تصريح عابر أو ضجة إعلامية هذه رسالة مدروسة بعناية، موجهة للعالم أجمع، وبالأخص إلى موسكو مضمونها أن مرحلة جديدة قد بدأت في سوريا، مرحلة لم يعد فيها الخوف من ذكر اسم الأسد، بل الجهر بالمطالبة بمحاسبته.
السؤال الأبرز الآن: هل يمكن أن تبيع روسيا الأسد؟
منذ اندلاع الحرب في سوريا، وضعت موسكو ثقلها العسكري والسياسي إلى جانب النظام السوري، واعتبرت بقاء الأسد جزءًا من هيبتها الدولية لكن المشهد تغير اليوم والحرب في أوكرانيا أثقلت كاهل روسيا اقتصاديًا وسياسيًا، وجعلت وجودها في سوريا عبئًا أكثر منه مكسبًا، خاصة بعد تراجع نفوذها في بعض المناطق. لذا، تبدو فكرة “الصفقة السياسية” التي تحفظ لموسكو مصالحها وتخفف عنها الضغوط احتمالًا واقعيًا للغاية.
قد يكون تصريح الجولاني جزءًا من “طبخة سياسية” يجري إعدادها في الكواليس. تخيل أن الصفقة تتمثل في أن تسلّم روسيا الأسد مقابل ضمانات لبقاء قواعدها العسكرية في طرطوس وحميميم، مع استمرار نفوذها الاقتصادي والسياسي في سوريا ، بهذا الشكل، تكون موسكو قد “باعت الأسد” رمزيًا، لكنها حافظت على وجودها وهذا النمط من الصفقات ليس جديدًا في السياسة الروسية، فقد تخلت موسكو سابقًا عن حلفاء حين أصبحت كلفتهم أعلى من مكاسبهم.
اللافت في المشهد أن الجولاني نفسه، الذي كان يومًا أحد أبرز قادة الجماعات المسلحة والإرهابية ، أصبح يتحدث اليوم بلغة السياسة والدولة، ويقدّم نفسه كقائد للمرحلة الانتقالية وهذا التحول بحد ذاته يؤكد أن ما يجري ليس شأنًا سوريًا داخليًا فحسب، بل جزء من مشروع دولي لإعادة توزيع النفوذ داخل سوريا، دون إعلان رسمي عن تقسيمها ، فبدلًا من رسم حدود جديدة على الورق، يجري تقسيم السيطرة على شكل “مناطق نفوذ” أو “إدارات محلية”، بحيث يحصل كل طرف على نصيبه من الكعكة السورية.
إن ما يحدث اليوم في سوريا يمثل نسخة حديثة من فكرة “تقسيم الشرق الأوسط”، ولكن بأدوات مختلفة فالمسألة لم تعد تتعلق برسم الحدود، بل بتوزيع النفوذ العسكري والاقتصادي والسياسي. وروسيا، التي ترى في قواعدها على البحر المتوسط ضمانة لمكانتها كقوة إقليمية، لن تتخلى عن وجودها بسهولة ، قد تتخلى عن الأسد، لكنها لن تتخلى عن سوريا، لأن خسارتها هناك تعني خروجها من واحدة من أهم نقاط ارتكازها في المنطقة.
هكذا تتبدل الأدوار: من كان حاكمًا أصبح مهددًا بالمحاكمة، ومن كان مطاردًا بات يتحدث عن العدالة، ومن كان داعمًا يبحث الآن عن صفقة تحفظ مصالحه، هذه التحولات تكشف أننا أمام سيناريو واسع لإعادة رسم الشرق الأوسط، ولكن هذه المرة بطريقة ذكية وهادئة، دون تقسيم الخرائط، بل تقسيم النفوذ والموارد، وهو ما قد يكون أخطر بكثير.
لكن وسط كل هذه المتغيرات، هناك عامل واحد لا يمكن تجاوزه وهو مصر. فالقاهرة، التي ترفض تمامًا تمدد الإرهاب أو تفكيك الدولة السورية تحت أي ذريعة، تظل حجر العثرة الوحيد أمام أي مخطط لتقسيم سوريا أو إعادة تشكيلها بما يخدم مصالح قوى خارجية وربما تكون مصر هي الأمل الأخير في الحفاظ على وحدة الدولة السورية، وحماية ما تبقى من توازن إقليمي في وجه صفقات النفوذ الجديدة.
في النهاية، السؤال الحقيقي لم يعد: “هل تسلّم روسيا الأسد؟” بل “لمن ستسلمه؟ ومقابل ماذا؟”
فالمعادلة باتت تتجاوز الأشخاص، لتصبح صراعًا بين مصالح القوى الكبرى، في لوحة معقدة تُرسم فيها ملامح الشرق الأوسط الجديد… لوحة لم تكتمل بعد، لكن خطوطها الأولى بدأت تُرسم بالفعل على الأرض السورية.