خبير علاقات دولية: الاعتراف بفلسطين خطوة كبرى للعدالة ومأزق إسرائيلي


قال أبوبكر الديب خبير العلاقات الدولية ومستشار المركز العربي للدراسات، إن دلالات الاعتراف بالدولة الفلسطينية تتمثل في:
أولاً: فلسطين كيان دولة قائم لا كيان ناشئ
وأشار، إلى أن الحديث عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية ليس مجرد حدث سياسي طارئ أو خطوة رمزية عابرة، بل هو تأكيد لحقيقة راسخة مفادها أنّ فلسطين من الأساس كيان دولة، له أرضه وتاريخه وحدوده الطبيعية التي تبلورت عبر قرون. فالوجود الفلسطيني ليس صناعة ظرفية، بل امتداد لهوية تاريخية وجغرافية تشكلت على أرض فلسطين منذ ما قبل نشوء الاحتلال الإسرائيلي بعهوده المختلفة.
وتابع الخبير العلاقات الدولية: أن الدولة، في المفهوم القانوني الدولي، لا تقوم فقط على إعلان أو اعتراف، بل على عناصر محددة: أرض، شعب، وسلطة سياسية. هذه العناصر جميعها تتوافر في الحالة الفلسطينية. الأرض واضحة المعالم وفق القرارات الأممية، والشعب الفلسطيني حاضر في الداخل والشتات، والسلطة السياسية تجسدت منذ إعلان الاستقلال في الجزائر عام 1988، وتبلورت لاحقاً في السلطة الوطنية الفلسطينية، رغم ما واجهته من معوقات.
وأوضح "الديب" ما جرى هو أن الاحتلال الإسرائيلي انتزع السيطرة على مساحات شاسعة من أرض فلسطين التاريخية، ونهب مواردها، وأخضع شعبها لقوة الأمر الواقع، محاولاً تجريد الهوية الفلسطينية من أسسها الطبيعية. لكن رغم كل ذلك، ظل الكيان الفلسطيني متجذراً، ولم يُمحَ من الخارطة السياسية. ومن هنا، فإن الاعتراف بدولة فلسطين هو إقرار بالحق قبل أن يكون منحة أو مكافأة.
وأكد أهمية الاعتراف بالدولة الفلسطينية فى أنه يقطع الشك باليقين حول وجودها القانوني والسياسي. فحين تعلن دولة كبرى – أو مجموعة من الدول – اعترافها بفلسطين كدولة مستقلة ذات سيادة، فإنها تعيد التوازن إلى السردية الدولية التي حاولت إسرائيل طمسها لعقود.
وأشار الخبير العلاقات الدولية؛ إلى أن الاعتراف لا يغيّر الواقع على الأرض مباشرة، لكنه يمنح الفلسطينيين سلاحاً معنوياً وقانونياً، يمكنهم من تعزيز حضورهم في المحافل الدولية، والمطالبة بحقوقهم وفق القانون الدولي. كما أنه يحرج الدول التي ما زالت تتردد في اتخاذ هذه الخطوة، ويضعها أمام سؤال أخلاقي وسياسي: هل تقف إلى جانب الحق التاريخي والقانوني للشعب الفلسطيني، أم تظل أسيرة لضغوط الاحتلال وحلفائه؟
وتابع "الديب" شهد العالم موجات متتالية من الاعتراف بفلسطين، بدءاً من دول آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وصولاً إلى أوروبا. وكلما اتسع نطاق هذا الاعتراف، ازدادت مكانة فلسطين الدولية، وأصبحت أي تسوية سياسية للصراع مضطرة للاعتراف بهذا الواقع.
ولفت إلى أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية سيكتب بُعداً استثنائياً عندما يصدر عن دولة كبرى ذات ثقل سياسي واقتصادي وعسكري على المستوى العالمي. فاعتراف مثل هذه الدول لا يُقرأ فقط في الإطار الإقليمي للشرق الأوسط، بل يُحدث ارتدادات في موازين السياسة الدولية ككل.
وتابع "الديب" حين تعترف قوة عظمى بفلسطين، فهي تعلن ضمنياً رفضها لسياسات الاحتلال، وتؤكد دعمها لحق تقرير المصير للشعوب، مما يعزز النظام الدولي القائم على الشرعية الدولية، ويضعف منطق القوة الذي يحاول الاحتلال تكريسه. كما أن الاعتراف من هذه القوى يُشجع دولاً أخرى مترددة على اتخاذ الخطوة نفسها، ويشكل كتلة حرجة تضغط باتجاه حل سياسي أكثر عدلاً.
وأضاف خبير العلاقات الدولية أن الأثر العالمي للاعتراف لا يقتصر على البعد السياسي، بل يمتد إلى البعد الاقتصادي والثقافي والقانوني. إذ يمكن أن يفتح المجال أمام فلسطين لعقد اتفاقيات دولية ثنائية ومتعددة الأطراف، والانضمام إلى منظمات اقتصادية كبرى، والمطالبة بحقوقها أمام محاكم دولية. كما أنه يعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية في الرأي العام العالمي، ويجعلها قضية إنسانية عادلة لا نزاعاً إقليمياً محصوراً.
وأكد أبو بكر الديب، من الخطأ النظر إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية على أنه شأن يخص الشرق الأوسط وحده. فالقضية الفلسطينية أصبحت منذ عقود معياراً لاختبار مصداقية النظام الدولي، ومؤشراً على مدى احترام العالم لمبادئ العدالة وحقوق الإنسان، متابعا:" أي اعتراف بفلسطين يعني بالضرورة تعزيز قيم العدالة ورفض سياسات الاحتلال والاستعمار. وهذا له تأثير مباشر في مناطق أخرى من العالم تشهد نزاعات مشابهة، حيث تصبح فلسطين نموذجاً لكيفية استعادة الشعوب لحقها في تقرير المصير.