الدكتور محمد سيد أحمد يكتب: هل العدو الصهيوني في حاجة للتطبيع مع سورية؟!


للإجابة على هذا السؤال الآن لم نعد في حاجة إلى مجهود كبير، فقط علينا التركيز على بعض الحقائق المستمدة من الوقائع والأحداث، بين طرفي العلاقة العدو الصهيوني من جانب، وأبو محمد الجولاني ممثل الأمر الواقع في سورية من جانب آخر، ومع ذكر الحقائق وإبراز الوقائع والأحداث يمكننا بسهولة إعادة تركيب الصورة، لتتجلى لنا الإجابة بوضوح، ودون أي جهد يذكر، وبذلك يمكننا استشراف مستقبل سورية القريب والبعيد في ظل مخططات العدو الصهيوني، وفي ظل وجود الجولاني الذي بلا شك أحضروه للقيام بمهمة محددة مرسومة بدقة فائقة، لا يمكن أن يخرج عنها، فحتى الآن يقوم بأداء دوره كممثل فاشل دون إقناع للجمهور، ورغم ذلك يصر المخرج على استمراره في دور البطولة حتى النهاية، وسيجعل الجماهير هي التي تسقطه بعد انصرافها عن مشاهدته، وتأكدها من أنه قد قام بتخريب العمل برمته.
وأول الحقائق التي لم تعد بحاجة لتأكيد هي حقيقة العدو الصهيوني وصورته التي برزت بوضوح أمام العالم أجمع، فالعدو الصهيوني عبارة عن كيان استيطاني توسعي مجرم، مغتصب للأرض العربية الفلسطينية، ولديه مشروع يطلق عليه مسمى " إسرائيل الكبرى" ويقصد بها الأرض العربية الواقعة بين النيل والفرات، وهي الأرض التي يسعى الكيان لاحتلالها واغتصابها بالقوة، وتهجير سكانها قسريا، وقتلهم وحرقهم ومحوهم بكل الطرق إذا ما فكروا في مقاومته أو الدفاع عن أنفسهم وترابهم الوطني.
وهذه الحقيقة يمكن الاستدلال عليها من كتابات القادة الكبار في الحركة الصهيونية العالمية، ففي كتابات "ثيودور هرتزل" مؤسس الحركة الصهيونية ذكر في يومياته لعام ١٨٩٥ حول موقف الحركة الصهيونية من العرب الفلسطينيين "سنحاول نقل الشرائح الفقيرة إلى ما وراء الحدود، بهدوء ودون إثارة ضجة، بمنحهم عملا في الدول التي سينقلون إليها، لكننا لن نمنحهم أي عمل في بلادنا"، ثم عاد وأكد في عام ١٩٠٤ أن حدود دولة إسرائيل تمتد من "نهر مصر إلى الفرات"، إذاً الحقيقة واضحة وجلية تماماً منذ اللحظة الأولى.
ولتأكيد حقيقة إسرائيل الكبرى يمكن الاستشهاد بما كتبه ديفيد بن جوريون مؤسس الكيان لابنه في أعقاب توصية لجنة بيل في عام ١٩٣٧ والتي أوصت بتقسيم فلسطين حيث قال: "أن التقسيم سيكون مقبولاً كخطوة أولى هذا بسبب أن الحيازة المتزايدة ليست ذات أهمية في حد ذاتها فحسب، بل لأنه من خلالها نزيد من قوتنا، وكل زيادة في القوة تساعد في حيازة الأرض ككل، إن إقامة الدولة حتى لو كانت فقط على جزء من الأرض، هي التعزيز الأقصى لقوتنا في الوقت الحالي، ودفعة قوية لمساعينا التاريخية لتحرير البلد بأكمله"، ويتضح من ذلك أن بن جوريون يتحدث عن كيان كبير يتجاوز ما حصلوا عليه في القرار ١٨١ الذي أعلنوا من خلاله قيام دولتهم المزعومة في ١٥ مايو ١٩٤٨.
ولم يكتفي العدو الصهيوني بذلك بل حاول تغليف مشروعه الاستيطاني التوسعي المجرم بغلاف ديني مزيف، حيث قاموا بنقش عبارة توراتية مزعومة فوق باب الكنيست الإسرائيلي تقول: "لما تجلى الرب على إبراهام منحه الأرض المقدسة من النيل إلى الفرات"، وحاول القادة الصهاينة ترويج هذا الوهم بين أنصار العقيدة الصهيونية بأنها أرض الميعاد التي وعد بها الرب في سفر التكوين، وفي الاجتماع التنفيذي للوكالة اليهودية في يونيو ١٩٣٨ أكد بن جوريون أنهم سيحاولون بكل الطرق تحرير إسرائيل الكبرى حيث قال : "سنحطم هذه الحدود التي تفرض علينا، وليس بالضرورة عن طريق الحرب، أعتقد أنه يمكن التوصل إلى اتفاق بيننا وبين الدول العربية في مستقبل غير بعيد"، وهنا تبرز فكرة التطبيع في الذهنية الصهيونية كأداة لتحقيق الهدف الأسمى لهم وهو تهجير الشعب العربي الواقع بين النيل والفرات طواعية أو جبراً.
أما فيما يتعلق بسورية فالحقائق تقول أنها ظلت ولمدة تزيد عن الخمسة عقود شوكة في حلق الكيان الصهيوني، الذي حاول احتلال سورية من أجل تحقيق جزء من حلم إسرائيل الكبرى وهو الوصول إلى الفرات عبر ما يسمى "ممر داوود"، وهو مشروع توسعي يسعى من خلاله العدو الصهيوني لإنشاء ممر بري يبدأ من مرتفعات الجولان السورية المحتلة، ويمتد عبر الجنوب وصولاً إلى نهر الفرات في شمال سورية، وبالطبع خلال هذه السنوات الطويلة لم يكن بمقدور العدو الصهيوني تحقيق مآربه عبر المواجهة العسكرية المباشرة مع الجيش العربي السوري، لذلك كانت ورقة التطبيع هي الورقة التي يلعب بها العدو الصهيوني للتقارب مع سورية، لكن الحق يقال أن الرئيس حافظ الأسد الذي دخل في مفاوضات استمرت لعشر سنوات مع العدو الصهيوني لم تسفر عن اتفاق حيث أنهى الجولة الأخيرة بمقولته الشهيرة "من الأفضل أن أورث شعبي قضية يناضل من أجلها على أن أورثه سلاماً مذلاً "، وجاء من بعده الرئيس بشار الأسد وحاول العدو الصهيوني بكل الطرق الوصول معه للتطبيع لكنهم فشلوا فكانت الحرب الكونية على سورية والتي استمرت أربعة عشر عاماً وانتهت بمؤامرة كبرى سقط معها النظام في ديسمبر الماضي.
وتسارعت الأحداث وطل علينا أبو محمد الجولاني الإرهابي الدولي، الذي تحول فجأة إلى الرئيس أحمد الشرع، ونصب الرجل نفسه رئيساً لسورية، وذهب إلى قصر الشعب وأقام به، وقامت ميلشياته الإرهابية المسلحة التي جاءت من كل أصقاع الأرض، بممارسة كل أشكال العنف والتطرف والإرهاب ضد شعبنا العربي السوري، وأقاموا المذابح أولاً ضد أبناء الطائفة العلوية، ثم أعقبها ذبح أبناء الطائفة المسيحية، وأخيراً جاء الدور على أبناء الطائفة الدرزية في السويداء، وفي غمار هذه الأحداث المتلاحقة، وقف رئيس الأمر الواقع يتفرج على العدو الصهيوني وهو يدمر أولاً الجيش العربي السوري بكل ترسانته العسكرية التي منعته من التوغل داخل الأراضي السورية لسنوات طويلة، وثانياً يحتل الجنوب السوري بأكمله بل ويقترب من حدود العاصمة دمشق، وثالثاً يعلن أنه يسعى للتطبيع وتوقيع اتفاقية سلام مزعوم مع العدو الصهيوني بمباركة أمريكية، وهنا يبرز السؤال هل العدو الصهيوني في حاجة للتطبيع مع سورية؟!
والإجابة القاطعة تقول لا وألف لا فالعدو الصهيوني كان يحلم بالتطبيع مع سورية حين كانت سورية دولة، لها جيش يدافع عن ترابها الوطني، ولها قيادة تسعى للحفاظ على مؤسسات الدولة، ووحدة شعبها وسلامة أرضها، أما الآن فالدولة بلا جيش وبذلك فأرضها مستباحة، وبلا قيادة قادرة على حماية الشعب، بل أن القيادة الجديدة المزعومة هي وميلشياتها الإرهابية من يقوم بقتل وذبح أبناء الوطن، وهو ما دفع العدو الصهيوني ليعلن وبمنتهى الوقاحة أن تدخله وعدوانه من أجل حماية السوريين من حاكمهم الإرهابي الجديد، أي عبث ذلك الذي يحدث، العدو الصهيوني يأتي بإرهابي دولي لينصبه حاكماً، لتتم عملياً عملية تقسيم سورية، ويدخل العدو الصهيوني لتحقيق حلم الوصول للفرات عبر ممر داوود، لذلك فلم يعد بحاجة لاتفاقيات ولا تطبيع مادام حلمه قد أوشك على التحقيق، وللأسف الشديد لا يوجد في المشهد السوري من يستطيع أن يوقف العدو الصهيوني من تمدده، لذلك علينا أن نفيق ونعي حقيقة المشروع الصهيوني، ونستعد لمواجهة قريبة، اللهم بلغت اللهم فاشهد.