المهندس السيد طوبا يكتب: بناء الإنسان


استميح صديقى د. إبراهيم مدنى العذر فى استعارة عنوان المقال فقد سبق وأن أثرانا بمجموعة مقالات عن العمران وبناء الانسان ولكن مشغولياته تحرمنا من استكمال باقى المنظومة وقد استهوتنى الفكرة وأثارت فى نفسى الكثير من الأشجان والآلام عندما أشاهد والمس ما يفعله أحفاد الفراعنة بانفسهم وبلادهم وبدأت أفكر هل يجوز أن نلقى كافة اللوم على الحكومات ونصلبها ونطالبها بالمستحيل فى حين يقبع الغالبية فى مجاهل التواكل والسلبية والانبطاح والجهل دون أدنى شعور بالمسئولية الجماعية عن نهضة بلدنا ولماذا لا نتبارى كمواطنين مصريين بالعمل بجد واجتهاد وذمة وضمير لانجاح حياتنا وأبنائنا وأعمالنا ولماذا لا يراقب كل منا ضميره ويخلص فى عمله حتى لو أساء البعض التصرف فبالتأكيد أن النجاح والقدوة عدوى تنتشر بين الناس فلو راعى كل منا ربه فى نفسه وأبنائه وأسرته الصغيرة وشارعه وحيه ومدينته ووطنه لانصلح الحال.
متى ننفض عن أنفسنا وعقولنا غبار الجهل وصدأ القلوب وهل مازلنا ننتقم من حكوماتنا التى أفرزت كل تلك الآفات وزرعت تلك السلبيات على مدار عدة عقود من الزمان باعتناق أفكار اشتراكية عقيمة عفا عليها الزمن فنغتال الوطن ونعاقبه تحت عنوان الانتقام من الحكومة فلماذا لا يهتم كل منا باصلاح شأنه أولا ويتق الله فى عمله ويبدع ويبتكر ويقدم حلولا مبتكرة لسرعة انجاز العمل ثم يهتم بأسرته وأبنائه فيزرع فى نفوسهم القيم والفضائل وحب العلم والاجتهاد ولماذا لا يهتم بشارعه ويحرص على نظافته وسلامته كما يحرص على نظافة وسلامة بيته ولماذا نتقاعس عن خدمة مدينتنا وبلدنا وملؤنا شعور بأن الوطن هو أغلى ما نمتلك فى الحياة فهل لو اصبح كل منا قدوة فى نفسه وأهله وبيته ومدينه الن ينعكس ذلك ايجابيا على المجتمع والوطن ككل ولماذا ننتظر المبادرة من الآخرين أن كنا نستطيع المبادأة بالعمل الصالح ونسأل أنفسنا بصراحة هل تأتى الحكومة من أفراد من الفضاء أو من بلد آخر أم أنهم نتاج ثقافتنا وتعليمنا فلماذا نحمل الحكومة كل العبء والمسئولية ونقف نحن مكتوفى الأيدى لا حول لنا ولا قوة ما دمنا ندفع الضرائب والمرافق ورسوم النظافة فهل يكفى ذلك لاصلاح حال البلد والنهوض به.
وربما أنقل تجربة حقيقية عشتها مع أهلى من سكان العمارة حيث كلفونى برئاسة اتحاد الشاغلين فى فترة زمنية وكأنها حمل ثقيل بريدون التخلص منه فوجدت أن مجموعة من السكان تحرص على دفع مصاريف الصيانة وبعضهم يرفض الدفع لسوء حال الصيانة وبعضهم أحجب عن الدفع لوجوده خارج البلاد وبالتالى هو لا يستمتع بأى خدمات وفى نفس الوقت وجدت أن خزانات المياه العلوية فى حاجة ماسة للصيانة والدهان وكذلك المصاعد وطلمبات المياه فقمت بمبادرة شخصية برصد مبلغ من المال من جيبى الخاص وبدأت أعمال الاصلاح دون طلب مساعدة من أحد وفوجئت برد فعل السكان عندما بداوا يشعرون بجدية العمل فبادر معظمهم بدفع متأخرات الصيانة بل وبادر بعضهم باستعداده للمشاركة فى مصاريف الاصلاح التى تفوق رسوم الصيانة بمراحل بل وبادر بعضهم بتغيير الإضاءة وأحضر بعضهم لوحات فنية لتعليقها فى مدخل العمارة والآخر أحضر زهورا لأحواض الزرع وتبرع أحدهم بزرع أشجارعلى طول الطريق أمام المبنى وبدأ السكان يتناوبون استضافة مجلس اتحاد الشاغلين فى مسكنهم وتعجبت من هذا التحول الايجابى فى تصرفات السكان فعوضا عن الشجار والقاء اللوم والتهم بادروا جميعا بالمساعدة لشعورهم بأن تلك عمارتهم ويجب الحفاظ عليها وبالتأكيد هناك تجارب ذاتية ناجحة تحتاج من كل منا شجاعة المبادرة.