في الذكرى الـ 60 لإعدامه.. الموساد يكشف تفاصيل جديدة عن عميله إيلي كوهين داخل سوريا


في واحدة من أبرز عمليات الموساد الاستخباراتية، عاد اسم "إيلي كوهين" المعروف باسمه المستعار داخل سوريا "كامل أمين ثابت"، ليتصدر عناوين الأخبار ومؤشرات البحث، بعد إعلان مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عن استرجاع وثائق وأغراض شخصية سرية من داخل سوريا تعود للعميل الذي أُعدم في دمشق عام 1965.
كوهين، الجاسوس الإسرائيلي الشهير، دخل الأراضي السورية في يناير عام 1962 بهوية مزورة، منتحلًا صفة تاجر سوري مهتم بتصدير المنتجات المحلية إلى أوروبا. وبتكليف من جهاز "الموساد"، أقام في دمشق، حيث نسج علاقات وثيقة مع كبار المسؤولين في الجيش والحكومة، ما مكنه من الوصول إلى دوائر صنع القرار.
وخلال فترة نشاطه، بدأ كوهين في إرسال رسائل استخباراتية إلى تل أبيب بمعدل رسالتين أسبوعيًا، وبلغ عددها أكثر من 100 رسالة بين مارس وأغسطس 1964، تضمنت تفاصيل دقيقة عن مواقع عسكرية، وعدد الدبابات في القنيطرة، ومعلومات من داخل اجتماعات الحكومة.
لكن في يناير 1965، سقط إيلي كوهين في قبضة الأجهزة الأمنية السورية بعد تتبع إشارات لاسلكية مشبوهة، ليتم إعدامه في ساحة المرجة بدمشق في 18 مايو من العام نفسه، حيث عُلّقت جثته لست ساعات، في مشهد لا يزال حاضرًا في ذاكرة السوريين.
وفي الذكرى الستين لإعدامه، أعلن الموساد الإسرائيلي عن تنفيذ عملية استخباراتية سرية ومعقدة، بالتعاون مع جهاز شريك لم يتم الكشف عنه، أُعيد من خلالها أرشيف ضخم يخص كوهين، من داخل سوريا.
وتضمنت المواد المسترجعة وصيته الأصلية المكتوبة بخط يده قبيل الإعدام، تسجيلات صوتية، وملفات استجواب، ورسائل شخصية إلى عائلته، فضلًا عن جوازات سفر مزورة وصور له مع مسؤولين سوريين، ومذكرات شخصية يومية تسرد تفاصيل مهامه.
كما شملت الوثائق ملفًا خاصًا باسم "نادية كوهين"، زوجة الجاسوس، يتضمن تفاصيل مراقبة الأمن السوري لحملتها التي طالبت خلالها بالإفراج عنه.
في وصيته المؤثرة، طالب كوهين زوجته نادية برعاية أطفالهما (صوفي، إيريس، وشاؤل)، ومنحها الحرية في الزواج مجددًا "حتى لا يكبر الأطفال دون أب"، داعيًا عائلته إلى المضي قدمًا ونسيان الماضي. وختم رسالته بعبارة: "لكم جميعًا، قبلاتي الأخيرة".
ورغم صمت السلطات السورية إزاء هذا الإعلان الإسرائيلي، إلا أن تسريبات إعلامية أكدت أن الأرشيف الذي استعيد كان محفوظًا ضمن وثائق الأمن السوري لعقود.
وتُشير الروايات الإسرائيلية إلى أن المعلومات التي سربها كوهين خلال تجسسه ساعدت الجيش الإسرائيلي في الاستعداد لحرب يونيو 1967، ما يجعل من قصته واحدة من أهم قصص الجاسوسية في التاريخ الحديث للمنطقة.
ولد إيلي كوهين في مدينة الإسكندرية عام 1924 لعائلة سورية الأصل. انضم في شبابه إلى منظمة الشباب اليهودي وساهم في تهريب اليهود من مصر إلى إسرائيل. وبعد سلسلة من الاعتقالات في مصر ومحاولات للإفلات من الشبهات، التحق بالموساد وسافر إلى الأرجنتين، حيث تم تجهيزه ليتقمص شخصية "كامل أمين ثابت"، التاجر السوري الذي أصبح لاحقًا أقرب المقربين من مراكز الحكم في سوريا.
وفي النهاية، وعلى الرغم من نجاح المخابرات السورية في الإيقاع به، فإن إيلي كوهين تمكن من تمرير معلومات شديدة الخطورة قلبت موازين المعركة في الشرق الأوسط، لتبقى قصته نموذجًا كلاسيكيًا في عالم الجاسوسية والسياسة.