فيينا تشهد إشراقة مصرية في مؤتمر EGU 2025: عندما تتحدث الطبيعة بلغة العلم والفلسفة


في قلب فيينا، حيث اجتمع العقل البشري ليرسم ملامح المستقبل البيئي للكوكب، احتضن مؤتمر الاتحاد الأوروبي لعلوم الأرض و الفضاء (EGU 2025) أكثر من 18,900 عرض بحثي، امتدت على مدار 2,300 جلسة علمية، كان أكثر من نصفها من توقيع أكاديميين في بداياتهم المهنية. مشهد علمي نبيل، فيه يتحول السؤال إلى إصرار، والقلق من الغد إلى رؤية تُكتب على سبورة الزمن بأقلام الباحثين.
ومن بين آلاف الوجوه والعقول، تألّق شاب مصري، ليس فقط كرقم في الحضور، بل كنموذج يُجسد كيف يمكن لروحٍ من الجنوب أن تهمس في آذان الشمال أن مصر لا تُصدّر فقط التاريخ، بل تُرسل أبناءها ليعيدوا تشكيل الجغرافيا بمنطق جديد.
أبوبكر طه مصطفى، خريج هندسة القاهرة، ومهندس عبر طرقاً كثيرة من إنشاءات محطات الكهرباء إلى تخطيط الفيضانات وحماية نهر النيل. في وزارة الموارد المائية والري المصرية، عمل على الخطوط الأولى لمخاطر التغير المناخي، قبل أن يفتح له القدر باب النمسا عام 2019، ليبدأ مسيرة دراسية وبحثية عنوانها: كيف تنجو الطبيعة بحلولها الطبيعية؟
أبوبكر هو أول مصري وعربي يعمل في هيئة المياه التابعة لوزارة الزراعة والغابات وحماية المناخ وإدارة المياه في النمسا. باحث دكتوراه في جامعة فيينا للعلوم الطبيعية، يُطوّع النماذج الرياضية لمحاكاة تفاعلات الماء والأرض، ويستخدمها في تحليل سلوك الأحواض المائية الصغيرة في مواجهة الجفاف والفيضانات.
في مشاركته الأولى بمؤتمر EGU، قدم بحثاً عن كيفية الاستفادة من مياه الأمطار في أوقات الجفاف، ضمن جلسة علمية مرموقة عن علوم الأنهار والهيدرولوجيا، بعد أن رُشّح من مشرفه النمساوي الدكتور توماس فينجير. بحثه أثار اهتمام شركة “دلتا رس” الهولندية، المصممة للنموذج الذي يعمل عليه، ليُعرب أحد ممثليها خلال المؤتمر عن إعجابه بقدرة أبوبكر على ترويض المعادلات لتكون انعكاساً دقيقاً لصوت الطبيعة.
لا أبحث فقط عن حلول هندسية، بل عن حكمة الأرض، كيف تتكلم، كيف تُصغي، وكيف نعيش معها لا ضدها بهذه الكلمات يختصر أبوبكر رؤيته، وهو يواصل العمل على مشروع جديد لمواجهة الفيضانات بنفس المنطق الطبيعي أرض تمتص الألم وتُعيد تشكيل الحياة، دون تكلفة باهظة أو تشويه للبيئة.
EGU 2025 لم يكن مجرد تظاهرة علمية، بل مرآة لحقيقة أخرى أن العلم ليس جغرافيا جامدة، بل رواية تُكتب بأصوات من كل القارات، أحدها صوت مصري جاء من ضفاف النيل ليعلو بين جبال الألب، حاملاً معه حلم أمة، وشغف شاب يؤمن أن التغيير يبدأ حين يُصغي الباحث إلى همس الطبيعة… ويحول الهمس إلى حل.