صابر سكر يكتب: مصر تعود إلى قلب التجارة العالمية.. ممر جديد يغير قواعد اللعبة


في تطور مفاجئ يعكس تغييرات عميقة في موازين القوى الاقتصادية والجيوسياسية، دعا وزير الخارجية الإيطالي إلى إدخال مصر كطرف رئيسي في مشروع الممر التجاري الضخم المعروف شعبيًا باسم "طريق القطن"، بدلاً من إسرائيل.
هذا الممر، الذي أُعلن عنه رسميًا خلال قمة مجموعة العشرين الأخيرة، هو مشروع ضخم يهدف إلى نقل التجارة من الهند مرورًا بالإمارات العربية المتحدة، ثم المملكة العربية السعودية، فالأردن، وكان من المخطط أن يمتد إلى إسرائيل، ثم يتجه نحو إيطاليا ومنها إلى سائر الدول الأوروبية. إلا أن المطالبة الإيطالية بإشراك مصر بدلاً من إسرائيل تعكس تحولًا استراتيجيًا قد يعيد رسم الخريطة الاقتصادية للمنطقة.
موقف مصر من طريق الحرير الصيني
تأتي هذه التطورات في ظل انخراط مصر منذ سنوات في مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، والتي تهدف إلى إنشاء شبكة من الممرات التجارية البرية والبحرية تربط آسيا بأفريقيا وأوروبا. وقد وقعت مصر اتفاقيات استراتيجية ضمن هذه المبادرة، مستفيدة من موقعها الفريد كمحور عبور رئيسي عبر قناة السويس. كما أن مصر عملت على تطوير البنية التحتية لموانئها، لا سيما ميناء العين السخنة وميناء الإسكندرية، لدعم حركة التجارة القادمة من الشرق إلى الغرب.
بالتالي، فإن مشاركة مصر المحتملة في الممر التجاري الهندي-الأوروبي الجديد لن تكون بديلًا عن دورها في طريق الحرير الصيني، بل إضافة نوعية تعزز موقعها كمركز عالمي للتجارة، يجمع بين المحورين الآسيويين الأكبر: الصين والهند.
انعكاسات جيوسياسية كبرى
الأهمية البالغة لهذه التطورات تتجاوز الاعتبارات الاقتصادية، إذ تكشف عن صراع جيوسياسي محتدم حول السيطرة على الممرات الحيوية للتجارة الدولية. إسرائيل، التي كانت تسعى منذ سنوات إلى إنشاء مشروع "قناة بن غوريون" كبديل لقناة السويس، تحتاج لتحقيق هذا المشروع إلى السيطرة الجغرافية والأمنية على غزة وسيناء أو خلق فراغ أمني يخدم أهدافها. المشروع الجديد كان من المفترض أن يمر عبر الأراضي الإسرائيلية، مما كان سيعزز من موقعها كمركز تجاري محوري.
لكن المطالبة الأوروبية بإشراك مصر بدلاً من إسرائيل تحمل دلالات أوسع، إذ تشير إلى رغبة إقليمية ودولية في إعادة تمكين مصر من دورها الطبيعي في حركة التجارة العالمية. وإذا ما تحقق ذلك، فإن القاهرة ستضرب المشروع الإسرائيلي في مقتل، وستستعيد مفاتيح التجارة بين الشرق والغرب.
في هذا السياق، لا يمكن فهم الأحداث المتسارعة في غزة وما يصاحبها من ضغوط سياسية واقتصادية بمعزل عن هذا الصراع الخفي حول ممرات المستقبل. فالسؤال الحقيقي الذي يدور في الكواليس هو:
"من أين سيمر مستقبل العالم الاقتصادي؟"
ما يحدث اليوم هو معركة ضخمة حول إعادة توزيع النفوذ بين الشرق والغرب، ومصر، بتاريخها الجغرافي وموقعها الاستراتيجي، تبدو أقرب من أي وقت مضى لاستعادة موقعها الطبيعي في قلب هذه المعادلة الدولية الكبرى.