خط أحمر
السبت، 28 يونيو 2025 11:37 مـ
خط أحمر

صوت ينور بالحقيقة

رئيس مجلس الإدارة محمد موسىنائب رئيس مجلس الإدرةأميرة عبيد

رئيس مجلس الإدارة محمد موسىنائب رئيس مجلس الإدرةأميرة عبيد

مقالات

الدكتورة هبة عادل تكتب: عندما تُصبح الطرق مقابر.. ومتى ينتهي نزيف الموت في شرايين الوطن؟

خط أحمر

في صباح الجمعة، لم تكن الشمس قد ارتفعت بعد على طريق الإقليمي، لكن الفاجعة سبقتها، حين تحوّل ميكروباص صغير إلى نعش جماعي لـ19 ضحية، أغلبهم من فتيات في مقتبل العمر، اصطدموا بشاحنة ضخمة تسير عكس الاتجاه بلا عقل، ولا قانون، ولا رقابة.

دماء سالت، وأسر تمزّقت، وغضب عام لم يهدأ.
ثم جاءت الدولة بـ”الرد السريع”: تعويض مادي قدره 200 ألف جنيه عن كل روح، وكأن الثمن بات معلومًا، والكارثة ليست الأولى… وربما ليست الأخيرة.


أزمة مزمنة.. ورد فعل لا يرقى إلى مستوى الجرح

لسنا أمام حادث عابر، بل أمام نموذج صارخ لحالة انفلات الطرق في مصر.
الطريق الإقليمي ليس عشوائيًا، بل يفترض أنه أحد شرايين الدولة الحديثة. لكن الواقع المؤلم يقول إن الإرادة السياسية لبناء طرق جديدة لم تُقابل بنفس الجدية لإدارة هذه الطرق وحمايتها.

تغيب الرقابة، وتغفو الكاميرات، ويتحول الطريق ليلاً إلى مسرح مفتوح للجنون: شاحنات مسرعة، عربات عكس الاتجاه، وسائقون بلا رخص حقيقية، ولا أدنى التزام.


هل المشكلة في الطريق؟ أم في إدارة الطريق؟

لا يمكن إنكار ما تم من توسعات وتحديثات للبنية التحتية، لكن الطريق لا يكون آمنًا بمجرد رصفه أو إنارته.
الطريق الآمن هو الذي يُدار بعقل ورقابة ومسؤولية.
في الدول المتقدمة، يسبق إنشاء الطريق دراسة شاملة لمخاطره، وتُزرع فيه تقنيات ذكية، وتُطبق عليه نظم صارمة، ويتم تحديث بياناته كل 3 أشهر. أما في مصر، فإن كثيرًا من الطرق تُترك لإرادة السائقين وحدهم.


الدول التي انتصرت على الحوادث.. لم تكن محصنة بل كانت جادة
• في السويد، نجحت مبادرة Vision Zero في خفض وفيات الطرق لأقل من 3 حالات لكل 100,000 شخص، عبر إعادة تصميم الطرق، وتخفيض السرعات داخل المدن، وتفعيل نظم النقل الذكية.
• في هولندا، تُصمّم الطرق لتكون “ذاتية الشرح” تجعل المخالفة شبه مستحيلة.
• في الهند، نُفذت تجربة “الممر الصفري للوفيات” على طريق مومباي – بون ونجحت في تقليص الحوادث بنسبة 52% خلال عامين فقط، بالاعتماد على أربع ركائز: الهندسة – القانون – الإسعاف – التوعية.

فما الذي يمنعنا في مصر من استيراد هذه التجارب وتطبيقها؟


الحلول ممكنة.. إن وُجدت الإرادة

ما نحتاجه ليس تعويضات بعد الموت، بل نظام متكامل للوقاية قبل وقوع الكارثة.
إليك بعض الحلول العملية طبقًا للمعايير العالمية:
1. تصميم الطرق الذكية: إنشاء حواجز خرسانية تفصل الاتجاهين، مسارات مخصصة للمشاة والدراجات، وتحويل التقاطعات إلى دوّارات ذكية.
2. نظام مراقبة إلكتروني دائم: تركيب كاميرات حرارية، ورادارات ثابتة، وأجهزة استشعار لرصد المركبات المخالفة وتحليل السلوك المروري.
3. عقوبات صارمة تُنفذ: السير عكس الاتجاه يجب أن يُعامل كجريمة شروع في القتل، وليس كمخالفة بسيطة.
4. وحدة طوارئ متنقلة للطريق السريع: سيارات إسعاف مجهزة ونقاط طبية كل 30 كم، مع تدريب قوات المرور على الإسعافات الأولية.
5. حملات توعية دائمة، ليست مناسبات موسمية، بل خطة تربوية تبدأ من المدارس، وتشمل السائقين، وتستمر عبر الإعلام.
6. خطة وطنية للسلامة على الطرق: بتحديد هدف زمني واضح (خفض الحوادث 50% خلال 5 سنوات)، ومؤشرات أداء ومحاسبة علنية للمسؤولين.


لا تجعلوا الموت عاديًا

أخطر ما يواجهنا اليوم ليس الحادث نفسه، بل الاعتياد عليه.
أن نستيقظ على 19 ضحية ونعود لمشاغلنا، كأن شيئًا لم يكن.
أن نرى بيانات التعزية الرسمية أطول من إجراءات المحاسبة.
أن نسمع عن التعويضات ولا نسمع عن إقالة مسؤول واحد.

الدم لا يُعوّض، والحياة لا تُشترى، والسلامة ليست ترفًا.
إما أن ننتقل من الإنشاء إلى الفعل، ومن التبرير إلى الإصلاح، أو ننتظر الدور في طابور الموت.

الدكتورة هبة عادل عندما تُصبح الطرق مقابر خط أحمر
قضية رأي عامswifty
بنك مصر
بنك القاهرة