الجارديان: الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة والصين تضر بمصلحة الطرفين


ذكرت صحيفة الجارديان البريطانية أن الرسوم الجمركية الباهظة بين الولايات المتحدة والصين تشكل حظرا تجاريا متبادلا من شأنه أن يضر الجانبين.
وأوضحت الصحيفة -في سياق تقرير تحليلي نشرته بعددها الصادر يوم الإثنين وكتبه جورج ماجنوس باحث مشارك في مركز الصين بجامعة أكسفورد وجامعة سواس بلندن- أن الرسوم الجمركية التي تُثقل كاهل التجارة الأمريكية الصينية تعني في الواقع أن كل منهما أعلن حظرا تجاريا على الآخر، وهو ما يُعتبر عادة عملا حربيا، وستكون العواقب الاقتصادية وخيمة حيث قد تدفع آثارها أحد الطرفين إلى الركود وتقوض اقتصاد الطرف الآخر الهش.
وأكد التقرير أن صادرات الولايات المتحدة إلى الصين التي تبلغ نحو 150 مليار دولار ستنخفض بسرعة، بينما قد تنخفض صادرات الصين إلى الولايات المتحدة التي تبلغ قيمتها 440 مليار دولار، بنسبة تصل إلى 75% خلال الأشهر الثمانية عشر المقبلة، ما لم يتم التوصل إلى تفاوض، وبالتالي لن ينجو أحد من الآثار.
وقال إن العواقب قد تدفع الولايات المتحدة إلى ركود طفيف هذا الصيف، وتقوض أحد أهم أسلحة البلاد، ألا وهو قوة نظامها المالي ونفوذه ونطاقه خاصة أن المؤشرات الرئيسية لثقة المستهلك والتضخم والإنفاق الرأسمالي تشير جميعها إلى إشارات تحذيرية كما إنها أيضًا رياح سلبية جلبت الأسبوع الماضي ارتفاعا في عائدات السندات في سوق الخزانة الأمريكية وانخفاضا في قيمة الدولار.
ولفت إلى أن هذه الحرب التجارية غير مرحب بها على الإطلاق من قِبل الحزب الشيوعي الصيني، الذي كشف الشهر الماضي فقط عن قلقه إزاء الهشاشة الكامنة في الاقتصاد الصيني، وأوضح أن الصادرات الصينية كانت في أوج ازدهارها العام الماضي، حيث مثلت نصف نموها، وتوسعت بمعدل ثلاثة أضعاف سرعة التجارة العالمية كما حققت البلاد فائضا تجاريا بقيمة تريليوني دولار في السلع المصنعة ولهذا لا تستطيع الحكومة تحمّل تداعيات أزمة تجارية أثناء محاولتها تحقيق الاستقرار في قطاع العقارات المتعثر، إلى جانب انكماش الديون والأصول في الحكومات المحلية، والقطاع المالي.
وأوضح تقرير الصجيفة أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي حين بينج يتفاخران بالصمود لكن لديهما أسباب للتراجع، إن لم يكن لإيقاف، حروب التجارة حيث تبدو فرص التقارب الفوري ضئيلة، لكنها ليست ميؤوسًا منها، موضحا إن الدليل على ذلك إعلان وزارة التجارة الصينية أنها ستتجاهل أي تصعيد أمريكي مستقبلي وإعلان الولايات المتحدة عن إعفاءات جمركية على الهواتف الذكية والرقائق الإلكترونية والمعدات الإلكترونية، وإن كانت مؤقتة.
ورأى أنه لا يزال من المحتمل التوصل إلى "صفقة" معاملاتية في نهاية المطاف - مثل إلغاء بعض الرسوم الجمركية المرتفعة، وربما تطبيق "تيك توك"، أو قضايا أخرى.
ولفت إلى أن الولايات المتحدة تريد احتواء الصين وفك ارتباطها بها، لكنها لم تستخدم بعد بعض أسلحتها المالية وأساليبها الفعالة في ضبط الصادرات حيث تسعى الصين منذ فترة طويلة إلى فك الارتباط تحت شعار الاعتماد على الذات، وإذا أراد شي ذلك، فيمكنه القضاء على أي فرصة للمحادثات من خلال خفض قيمة اليوان بشكل أكثر صرامة، واستهداف شريحة واسعة من الشركات الأمريكية.
وأكد أن المفاوضات التجارية لن تكون حلا سحريا للقضايا الجوهرية التي تُفرق بين هاتين القوتين، لكنها قد تكسب بعض الوقت وتبقي على الأقل الحوار مستمرًا.
كان تعليق هذه الرسوم الجمركية لمدة 90 يومًا، الذي أُعلن عنه مؤخرًا (باستثناء الصين)، بمثابة رد فعل لاستقرار الأسواق المالية الأمريكية المتعثرة، ولكنه أيضًا فرصة تأمل الولايات المتحدة من خلالها أن تتفاوض عدة دول مهمة على ترتيبات تجارية جديدة مع واشنطن، ربما تشمل قيودا على التجارة والاستثمار مع الصين.
يبدو أن الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة في حالة ترقب الآن فيما يتعلق بالرد، وقد فُتحت قنوات رسمية مع اليابان وكوريا الجنوبية، وأفادت الولايات المتحدة بإشارات مشجعة من فيتنام وكمبوديا وتايلاند والهند، على سبيل المثال.
وأشار إلى أنها صورة معقدة لأن العديد من الدول مندمجة بشكل كبير في النظام التجاري الصيني، لكن العديد منها طبق أيضًا تدابير تجارية ضد الصين لحماية صناعاتها ووظائفها ومجتمعاتها. لا أحد يرغب في فقدان الوصول إلى السوق الاستهلاكية الأمريكية، التي تُشكل 30% من إجمالي السوق العالمية. إن الطابع التجاري للصين يعني أنها لن تسد الفجوة، ولا تستطيع ذلك، وتريد فقط توسيع صادراتها.
واختتم أن الطريقة التي تُدير بها إدارة ترامب هذه الحرب التجارية فوضوية، وغالبًا ما تكون غير مدروسة جيدًا. ومع ذلك، من المهم ألا نغفل عن سبب اندلاع الصراع التجاري في المقام الأول، وهو رد فعل على فائض الصين التجاري المتزايد. ويأتي هذا من نظام سياسي يقدم دعما كبيرا للغاية لشركاته، ويُشوه المنافسة، ويقيد الوصول إلى الأسواق، ويفرض تكاليف اقتصادية حقيقية على الدول الأخرى.