خط أحمر
الخميس، 27 نوفمبر 2025 08:34 مـ
خط أحمر

صوت ينور بالحقيقة

رئيس مجلس الإدارة محمد موسىنائب رئيس مجلس الإدارةهشام موسي

رئيس مجلس الإدارة محمد موسىنائب رئيس مجلس الإدارةهشام موسي

منوعات

من ”لا سمح الله” إلى ”جيمس بوند الفلسطيني”.. كيف صَنَع أبو عبيدة ظاهرة عربية؟

خط أحمر

في لحظة عربية مشحونة بالغضب والألم، بات المتحدث العسكري الملثم أبو عبيدة واحدًا من أكثر الشخصيات تأثيرًا في الوجدان الشعبي. الرجل الذي لا يُرى منه سوى عينيه أصبح رمزًا كاملًا للمقاومة، وامتد صوته ليتحول إلى ظاهرة اجتماعية وسياسية ونفسية عبر العالم العربي. ارتباط الناس به لم يأتِ من فراغ، فهو يمثل الواجهة الإعلامية لكتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، ويحمل عبئًا كبيرًا في المعركة الإعلامية والنفسية مع الاحتلال.

لغز لا ينكشف.. الغموض الذي صنع الأسطورة

منذ ظهوره الأول، بقيت هوية أبو عبيدة لغزًا محكمًا. لا صورة حقيقية مؤكدة، ولا اسم مدوّن، ولا ملامح تُظهر أكثر من عينين ثابتتين. حاولت إسرائيل مرارًا كشف هويته—آخرها صور انتشرت عام 2014 قيل إنها لرجل يدعى حذيفة الكحلوت—لكن حماس أعلنت أنها صور مفبركة تهدف لإرباك جمهوره.
هذا الغموض لم يضعفه، بل رفعه إلى مرتبة "الرمز"، فالناس وجدت فيه شخصية تتجاوز الجسد، كأنه ظلّ يتحرك في المشهد السياسي والعسكري دون أن يُمسك أحد بخيطه.

من "الوهم المتبدد" إلى نجم الرأي العام

أول ظهور كبير لأبي عبيدة كان عام 2006 عندما أعلن مسؤولية القسام عن أسر الجندي جلعاد شاليط في عملية "الوهم المتبدد". يومها ظهر بصوت ثابت لا يرتجف، بعبارات محسوبة، وبحضور مختلف عن أي متحدث عسكري عربي.
لكن صعوده الحقيقي كان في معركة سيف القدس 2021، حين أصبح مجرد ذكر اسمه مؤشرًا على أن حدثًا كبيرًا يقترب.
وفي طوفان الأقصى 2023، بلغ تأثيره ذروته.
خطاباته كانت تُتابَع من المقاهي في تركيا، ومن المساجد في الأردن، ومن الشوارع في الجزائر، ومن المدارس في لبنان. صار الجمهور ينتظر كلمته كما ينتظر نشرات الأخبار.

ظاهرة اجتماعية تتجاوز السياسة

لم يعد أبو عبيدة مجرد متحدث عسكري؛ أصبح ظاهرة اجتماعية واسعة:

  • أغانٍ شعبية في مصر تردد اسمه.

  • بث مباشر لخطاباته من مكبرات الصوت في بعض مناطق الأردن.

  • مسابقات مدرسية في لبنان تتناول شخصيته.

  • أطفال في الجزائر يقلّدون نبرة صوته في المسرحيات.

  • مقاهٍ في تركيا علّقت صوره كرمز للمقاومة.

هذا التفاعل ليس إعجابًا سطحيًا، بل حاجة إلى صوت يبث القوة في زمن تراجعت فيه السياسات وانهارت فيه الثقة بالأنظمة.

جيمس بوند الفلسطيني.. "وإنه لجهاد نصر أو استشهاد"

في وسط كل الجدية التي تمر فيها المنطقة، بدأ البعض بإطلاق لقب "جيمس بوند الفلسطيني" على أبو عبيدة. الفرق أن جيمس بوند يمشي بالكرافتة وبدخّن بكبرياء، أما أبو عبيدة فيمشي بالكوفيّة ولا نرى منه إلا عينين ثابتتين كأنهن GPS مبرمج على المؤتمر الصحفي القادم". يقول أحدهم: "جيمس بوند بدو ساعتين فيلم ليحل لغز، وأبو عبيدة بخطاب دقيقتين بقلب الدنيا ترند". وحتى لو حاولت إسرائيل أن تعرف هويته، الموضوع تحول مثل أفلام الجواسيس… لكن البطل هنا لا يقول "اسمي بوند"، بل يختم بثبات:
"وإنه لجهاد نصر أو استشهاد ."فرق حضارات بس روح الـ"أكشن" نفسها.

الخطابة.. سلاح لا يقل قوة عن الصواريخ

خطابات أبو عبيدة ليست بيانات عسكرية تقليدية؛ هي نصوص مبنية بعناية:

  • بلاغة هادئة

  • شحنة وجدانية

  • تهديد محسوب

  • لمحات سخرية تُستفز الاحتلال

  • لغة ذات نَفَس تاريخي

ولهذا يردد محللون إسرائيليون أن تصريحاته "أكثر صدقًا" مما يصدر عن المتحدثين باسم جيشهم. المراسلة العسكرية غيلي كوهين قالت صراحة:
"الشارع الإسرائيلي يثق ببياناته أكثر من بيانات حكومته."

"لا سمح الله".. عبارة تحولت إلى موجة عربية

عبارته الشهيرة:
"لا سمح الله… وإنه لجهاد نصر أو استشهاد."
خرجت من إطار خطاب عسكري لتصبح ترندًا واسعًا، تُستخدم في النكات، والميمز، والمقاطع الساخرة، كما تُردد في لحظات الحزن والغضب والحماسة.
اختصرت العبارة فلسفة القسام:
إما نصر، أو استشهاد… بلا منطقة رمادية.

حرب نفسية تهزّ صورة الجيش الإسرائيلي

تقديرات إسرائيلية تقول إن أبو عبيدة يقود أكثر حملات الحرب النفسية تأثيرًا على جمهور الاحتلال.
وعندما يصرّح:
"قصف تل أبيب أسهل علينا من شربة ماء إذا انتهكت كرامتنا."
فهو لا يطلق تهديدًا فارغًا، بل يضرب صورة الجيش الإسرائيلي كقوة "لا تُهزم"—وهي صورة تعتمد عليها إسرائيل سياسيًا داخليًا وخارجيًا.
لهذا وضعته إسرائيل في قائمة "الأكثر خطورة"، ليس لمهارته العسكرية، بل لقوة تأثيره على الشعوب.

صوت لا ينتهي

لا يمكن لهذا المقال أن يُختتم بخاتمة تقليدية.
فأبو عبيدة اليوم لم يعد مجرد ناطق عسكري، بل حالة ممتدة، رمز مفتوح، وصوت لا تنتهي فاعليته.
يحضر في السياسة، وفي المجتمع، وفي الإعلام، وفي الوعي العربي بأكمله.
سواء اتفق الناس معه أو اختلفوا، فإن تأثيره بات حقيقة لا يمكن تجاوزها.
لقد أعاد لأصوات المقاومة مكانتها في زمن امتلأت فيه السماء السياسية بالغبار واليأس.
وصار صوته يذكّر الملايين بأن كلمة واحدة قد تعيد لهم شعور القوة… ولو "لا سمح الله".

قضية رأي عامswifty
بنك مصر
بنك القاهرة