لا شك أن الفساد متوغل فى معظم المصالح الحكومية وأن الحرب ضد الفساد لا يمكن أن تنتهى بالقضاء عليه إنما بالحد منه قدر المستطاع والفساد متأصل فى النفس البشرية ولدينا فى مصر عباقرة فى تأليف وإخراج الفساد وما أن تصدر الدولة تشريعا بقانون للحد من الفساد فى جهة ما إلا ويظهر أولئك العباقرة كى يتفننون فى إيجاد ثغرة فى القانون الجديد والإلتفاف حوله ومحاولة الإثراء من ورائه وما أن تحاول وزارة التربية والتعليم أحكام سرية الامتحانات إلا ويجد تجار المواقع الإلكترونية وبمساعدة الطلبة أو بعض ضعاف النفوس فى الوزارة تسريب الامتحانات والتربح منها.

كما تجد أن الدولة تمنح قروضا بفوائد ميسرة للشباب لإقامة مشروعات صغيرة فتجد عباقرة الفساد يقفزون على المشهد ويحصلون على القروض الميسرة ووضعا وديعة فى البنوك بفوائد أعلى والتكسب من وراء الفرق طبعا بالتواطؤ مع بعض موظفى البنوك والجهات المانحة من الفسدة وعندما تحاول الدولة مساعدة الشباب وغير المقتدرين بتوفير مساكن مدعمة وتبيعها بشروط ميسرة إلا وتجد العصابة إياها تتقدم بأسماء أقاربهم وأهاليهم للحصول على أكثر من وحدة سكنية بدون وجه حق ومن ثم بيعها بسعر أعلى بموجب توكيل والتربح بالحرام على حساب الدولة التى هى أموال الشعب.

كما تجد العديدين من الأثرياء الذين استحلوا قيد أنفسهم وأسرهم فى بطاقات التموين للحصول على مواد غذائية مدعومة من الدولة خصصتها للمحتاجين ومستحقى الدعم ولكن النفوس الضعيفة تتحايل لتسجيلهم فى البطاقات لولا تنبه المسئولين وإعادة النظر فى كشوف المستحقين وللأسف الشديد فإن توغلت فى أى قطاع من قطاعات الدولة ستجد تلك العصابة موجودة تحلل الحرام وتحرم الحلال وتزين لك الخطيئة وتتلون كالحرباء لسرقة أموال الدولة وهذا يرجع بنظرى إلى تراكم عقود من القهر والمحسوبية والعديد من القوانين الاشتراكية التى صدرت لظروف ما فى حقبة زمنية محددة ولكن لم يتم تطويرها لتواكب المستجدات فجعلت البعض يفقد احساسه بالوطنية وانتماءه للبلد فأصبح كما قال روبرت فيسك ينتقم من الحكومة فى شكل تدمير الوطن ولا يفرق بين كره الحكومة وحب الوطن.

والحرب على الفساد قائمة ومستمرة منذ بدء الخليقة وحتى يوم الدين وما تحاوله الحكومات المتعاقبة هو الاقلال من نسب الفساد وليس القضاء عليه وأوقن أنه كلما نجحت الحكومة فى إبعاد المواطن عن الاحتكاك المباشر مع موظفى الدولة باستخدام الرقمنة فإن ذلك سيحد حتما من نسب الفساد كما يجب على الحكومة تفعيل برنامج حماية الشهود واعلاء الإحساس بالوطنية لدى المواطن ولن يتم ذلك إلا بمزيد من الشفافية والمصارحة والتحاور بين المسئولين والمواطنين.