في منطقة الإباجية تحت سفح جبل المقطم في القاهرة، عند بنايات شعبية قديمة، وآثار غابرة عتيقة، بين المقابر والأجداث، وعبق الماضي والأحداث، تسرح بذاكرتك إلى قرون سالفة، فتهيم في أجواء روحانية هادئة يصحبك الوَلَهُ والوَجد وأنت عند مسجد سلطان العاشقين عمر ابن الفارض رحمه الله.

بني مسجد عمر ابن الفارض في عصر الدولة الأيوبية في القرن الثامن عشر، أنشأه أمير اللواء الشريف السلطان على بك قازدغلى أمير الحج، كما بنى لنفسه مقبرة بجوار المسجد ما تزال باقية حتى الآن.

قضى ابن الفارض نحو 15 سنة من عمره في عزلة عن الناس بعد أن سافر لمكة للحج، كانت تلك العزلة هي المنبع الذي فاضت منه معظم أشعاره في التأمل والمناجاة والحب الإلهي، ثم عاد إلى مصر وعاش بها إلى أن مات سنة 632هـ ودفن في مسجده بجوار جبل المقطم.

المسجد بسيط جدا كبساطة سلطان العاشقين رحمه الله وزهده، يتكون من مستطيل ينقسم إلى مربعين منفصلين عن بعضهما تماما كما هو الحال في الطراز العثماني.

المربع الأول صحن مكشوف تحيط به الأروقة من جميع الجهات، أما المربع الثاني فهو إيوان القبلة وبداخله الضريح.

ترفع المسجد من داخله أربعة أعمدة مستديرة، ويغطيه سقف من الخشب المطلي باللون الأخضر.

وتعلو نوافذه قَمْرِياتٌ مستديرةٌ مزركشة بها نجمة ثمانية الشكل.

يقع محراب المسجد في يساره، وقد زخرف بنقوش إسلامية جميلة كتب في أعلاها بالخط الكوفي {فلنولينك قبلة ترضاها}، وعلى يسار المحراب منبر خشبي جميل باللون البني.

وأما ضريح ابن الفارض الحالي فقد بني في عهد السلطان برقوق، وهي غرفة مربعة الشكل مكونة من أربعة عقود تقوم عليها قبة أثرية حجرية غير مرتفعة.

وبين كتب المسجد يوجد ديوان ابن الفارض، يتصفحه الناس، ويقرؤون قصائده ومناجاته، فيبعث ذلك فيهم روحانية ووقارا يسريان كجمال نظمه رحمه الله وهو يقول:

زِدْني بفَرْطِ الحُبّ فيك تَحَيّرا
وارْحَمْ حشىً بلَظَى هواكَ تسعّرا

وإذا سألُتكَ أن أراكَ حقيقةً