نيفين منصور تكتب: إدمان إنسان


نوع من الإدمان قد لا يعرفه البعض يختلف عن الإدمان المشهور لدى العامة من الناس، مثل إدمان المخدرات والكحول والتدخين والنت وغيرها من أنواع الإدمان المنتشرة ، والنوع المقصود هو إدمان إنسان ، وتختلف أعراض هذا النوع من الإدمان مع الإدمان المعروف بصفة عامة في بعض المواصفات وتتفق في مواصفات أخرى ، ورغم خطورة إدمان المخدرات والكحول فإن إدمان إنسان يعد الأصعب على النفس وقد يسبب التعاسة المستمرة لمن يصاب به.
يبدأ هذا النوع من الإدمان بعلاقة تجمع بين طرفين قد تكون في البداية علاقة عابرة ، وقد تكون علاقة إعجاب أو ارتياح أو صداقة وربما تصل إلى الحب ، وتتطور مراحل إدمان إنسان من علاقة تُبهر كلا الطرفين في البداية إلى علاقة تصل إلى عدم القدرة على الاستغناء حتى لو كانت تلك العلاقة مستحيلة ولا يمكن أن تصل إلى نهاية سعيدة بجمع الطرفين في علاقة رسمية بشكل معلن.
ومن أعراض تلك العلاقة اللهفة المستمرة لرؤية هذا الإنسان ، والبحث عن أخباره ، ومتابعة خطواته في بعض الأحيان ، ويتطور الأمر إلى ملاحقة هذا الإنسان بالروح بحثا عنه بين الأرواح أحياناً أثناء اليقظة وأحياناً أخرى أثناء النوم، وقد يشعر من يدمن إنسان أنه مِلك له ولا يتقبل فكرة أن يكون لهذا الشخص حياة غير حياته ، أو استقلالية بعيدا عنه، يشعر بأنه يمتلك الروح وربما يرغب أيضا في امتلاك الجسد ، ويغار على هذا الشخص من نسمات الهواء التي تداعب وجهه وليس فقط من شخص آخر .
وأخطر ما في تلك الأعراض هو التوقعات التي ينسجها الشخص المدمن في خياله ويطالب بها الشخص الذي يدمنه ، وإذا لم تحدث تلك التوقعات يشعر بالصدمة ويصطدم بذاته ، فيشعر بالعذاب لرغبته في الاستغناء عن هذا الشخص الذي أدمنه وفي نفس الوقت لا يستطيع أن يبتعد، ولا يستطيع أن يقاوم سحر إدمانه ، حتى لو أظهر غير ذلك.
ويزداد الأمر سوءا على الأشخاص التي تتلذذ بالعذاب ، وتستمتع بالألم ، هذا النوع من الأشخاص عندما يدمن إنسان ويخالف بعض توقعاته يعجز عن القرب منه ويعجز أيضا عن الرحيل، فالشعور بالألم النفسي يشبع لديه لذة المتعة بالعذاب، وقد يختلط هذا الشعور برغبة في الانتقام من الشخص الذي أدمنه ، وتتعقد الأمور ، ويصل إلى طريق مسدود، لا يرغب في الرحيل، ولا يرغب في استمرار تلك العلاقة التي كانت تجمعه بالشخص الذي يدمنه.
ويظل الشخص الذي يستمتع بالألم يقترب أحيانا ويبتعد أحياناً أخرى عن الشخص الذي أدمنه ، كمحاولات مدمن الكحول والمخدرات في الشفاء من الإدمان وعدم القدرة على ذلك ، وتتأرجح مشاعره بين الحب والكراهية و الرغبة في الشفاء وجلد الذات ، وتعذيب الحبيب الذي يدمنه ربما بالتجاهل وربما بالإهمال، ولكن في نفس الوقت يرفض إطلاق صراحه من حياته ويتمسك به وينسج في خياله مشاهد من اللهفة عليه ومشاهد أخرى من محاولات معاقبته بصورة تشفي الغليل كنوع من الانتقام.
هذا النوع من الإدمان يسبب التعاسة لكلا الطرفين ، ويصعب الشفاء منه ويحتاج إلى محاولات مجهدة لمعالجة المدمن ، وخصوصا إذا وصل لتلك الحالة من التناقض بين الحب والرغبة في الانتقام .أحيانا يكون الحب نقمة على صاحبه، وخصوصاً على الشخص الحالم الذي يعيش على ما ينسجه خياله، ويفقد القدرة على الجمع بين القلب والعقل ، ويزن كل الأمور فقط بميزان مشاعره دون أن يدرك الفرق بين ما نتمناه وما يمكن فعله ، فليس كل ما نتمناه ندركه ، بعض الأمنيات تظل أمنيات للأبد ، ولا يمكن أن تتحقق إلا بمعجزة إلهية.