ان الاحساس بالضعف الداخلي وعدم الثقه بالنفس من المشاعر الانسانيه المؤلمه بل و الداميه روحيا و التي تصل احيانا حد الاعاقه النفسيه و الاعاقه الفكريه فهي تولد الشعور بالوحده الداخليه و المعاناة الفرديه وسط جموع الاهل والاصدقاء و المعارف و حتي الغرباء ايضا فتصنع داخل النفس نفس أخرى منبوذه تتسم بصفات مختلفه و افعال غريبه لا يقبلها او يتقبلها انسان سوي .

الضعف الداخلي الذي يصنع قوه واهمه تسمي الغرور؛ تلك الصفه التي يظن المغرور انه يتحلي بها ويخبئ بداخلها جوانب ضعفه علي اعتبار انها ثقه بالنفس ولكن هيهات؛ فذلك الخيط الرفيع الذي يفصل بين الثقه بالنفس والغرور يتمزق في اول واقرب المواقف التي تظهر ما قي داخل النفس التي اصابها وباء الغرور فقد ينفخ الغرور نفسا حد الامتلاء و لكنه لا يرفعها الي اعلي ابدا علي اي حال؛ قال الله تعالي ( سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الارض بغير الحق) صدق الله العظيم _ ١٤٦ الاعراف

فالغرور يشغل صاحبه بهموم و افكار مريضه تعزله نفسيا عن العالم و خاصة إن بدأ مع النشأة ،منذ الطفوله فتبدو عليه اعراض التعجرف بتهويل المواقف التي يتعرض لها لشعوره بأن جميع من حوله يرون ضعفه؛ و يصور له خياله ان العالم اجمع مترقب كل حركاته ، فيصاب بخوف وقلق و يبدأ في مواجهة أقل الكلمات بالتعجرف والتكبر خوفا من ان يتعرض للوم او احتقار من الاخرين ! .

ذلك المرض الذي قد يتسبب في تدمير محبه الناس له و كسر صورته الحقيقيه بصوره واهمه يحاول رسمها في عيون غيره بالتصنع العبثي و قتل ما لديه من ابداع انساني او احساس بحقيقة ذاته بغباء التظاهر بالقوه والتنكر للحق فيبدو واضحا كالرمال المتحركه التي تبتلع المنطق فما تكبر احدا الا لنقص وجده في نفسه ولا تطاول أحدا الا لوهن احسه من نفسه فيواجه بالطغيان؛ نعم فالكبر ، أعظم المهلكات حيث يجد نفسه يثرثر عبثيا و يجرح لفظيا مما يفقده احترام الاخرين له في الدنيا و يفقده جنة الرحمن في الاخره .

قال صلي الله عليه وسلم ( لا يدخل الجنه من كان في قلبه مثقال ذره من كبر)

اول من تكبر علي الله وخلقه إبليس حينما امره الله عز وجل بالسجود لآدم فأبي واستكبر و قال انا خير منه خلقتني من نار و خلقته من طين فأنزله الله من جنه فوق السموات الي الارض؛ فكل من حاول الكبر والغرور انزله الله مقاما لانه خالف الله فيجازيه الله بنقيض مقاصده .

و قال تعال ( الهكم اله واحد فالذين لا يؤمنون بالاخره و قلوبهم منكرة و هم مستكبرون و لا جرم إن الله يعلم ما يسرون و ما يعلنون إنه لا يحب المستكبرين) صدق الله العظيم _٢٢ النحل

فالكبر لا يليق الا بالله عز وجل وحده فحكم الله علي المتكبر ان يكون عند الله بغيضا و عند عباده خسيسا ، و من يتكبر علي الناس يكون يوم القيامه مداسا تحت اقدامهم مذلولا فالجزاء من جنس العمل .

فأعلم ايها المتكبر ان الغرور قد يزهر لكنه ابدا لا يثمر؛ و انه كلما ارتفع بك عنان غرورك كلما كنت اوهن و اضعف.

و إعلموا يا ساده ان التكبر علي ارباب الكبر قد يكون علاج يداوي ما اصاب نفوسهم من داء مرير تغلغل بفكرهم المريض و هم حقا أهل لهذا الدواء لانه من المحال ان يكون ذي الكبر طيب القلب ، لان طيبة القلب لا تجتمع مع التعالي إطلاقا علي بشر مخلوقين مثله؛ فتسول له نفسه او توحي بأنه الافضل او فوق الجميع؛ السنابل الفارغه فقط هي ترفع رأسها عاليا؛ و اللين في القوه أقوي من القوه نفسها .

و كلنا يعرف من وصايا لقمان الحكيم لإبنه ( و لا تمشي في الارض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور و إقصد في مشيك و إغضض من صوتك إن انكر الاصوات لصوت الحمير) .

فكلما ازداد المرء ثقه في نفسه بدا أهدأ و تسربت اليه الطمأنينه والقناعه و القوه الداخليه فالثقه بالنفس قناعه شخصيه لا يملكها الا قوي عزيز النفس بلا تكبر او تفاخر عدواني؛ تواضع بلا ضعف و قوي بلا غرور.

فخير الاعزاء هو خير الرحماء كما قال تعالي ( و إن ربك لهو العزيز الرحيم) صدق الله العظيم _١٩١ الشعراء .

نسأل الله تعالي ان يعيذنا من الكبر و اهله و يرزقنا التواضع بقوته.