هل تطرح البنوك المصرية شهادات ادخار جديدة بعد استحقاق أجل شهادات الـ 27%؟


تستعد البنوك المصرية، وفي مقدمتها البنوك الحكومية، مع بداية شهر يناير المقبل، لصرف استحقاقات شهادات الادخار ذات العائد المرتفع 23% و27% التي تم طرحها في مطلع عام 2024 بهدف امتصاص السيولة وكبح التضخم.
وتفرض هذه الاستحقاقات تحدياً جديداً أمام البنوك يتمثل في تحقيق التوازن بين الحفاظ على معدلات الادخار متوسطة الأجل وضبط تكلفة الأموال، وسط ترقب واسع من العملاء والأسواق لخطط البنوك في المرحلة المقبلة.
وقدرت مصادر مصرفية حصيلة هذه الشهادات لدى أكبر بنكين حكوميين خلال العام الماضي بما يتراوح بين 1.25 تريليون و1.5 تريليون جنيه، تشمل أصل الشهادات والفوائد المستحقة عليها.
وأكدت المصادر أن البنوك تدرس عدة بدائل للحفاظ على السيولة، من بينها طرح منتجات ادخار قصيرة الأجل بعوائد تتراوح بين 18 و21% وفق دوريات صرف مختلفة، أو إعادة هيكلة المنتجات الحالية بعوائد مرتفعة نسبياً وإتاحتها عبر القنوات الرقمية فقط.
وذكر مسئول خزانة بأحد البنوك أن السيناريو الأكثر ترجيحاً هو استمرار البنوك في إتاحة الشهادات عند مستوياتها الراهنة، حتى في حال خفض البنك المركزي للفائدة في اجتماعه المقبل، خاصة مع ارتفاع معدلات السيولة داخل الجهاز المصرفي المصري.
وقرر البنك المركزي الإبقاء على فائدة الإيداع والإقراض عند 21% و22% على الترتيب في اجتماعه الأخير، مع توقعات بخفض محدود يتراوح بين 0.5% و1% خلال اجتماع لجنة السياسة النقدية المقرر في 25 ديسمبر الجاري.
ويأتي ذلك في ظل تراجع معدل التضخم العام للحضر إلى 12.3% في نوفمبر 2025، بينما بلغ التضخم الأساسي 12.5% وفق بيانات البنك المركزي.
هل تطرح البنوك المصرية شهادات ادخار جديدة؟
قال محمد عبد العال، الخبير المصرفي، إن الفائدة الحالية على منتجات الادخار تتناسب مع معدلات التضخم المتراجعة والمتوقع استمرار انخفاضها، مشيراً إلى أن شهادات الادخار تمنح عائداً حقيقياً يتراوح بين 7% و8%، وهو ما يجعلها جاذبة للعملاء.
وأضاف عبد العال: “60% من المدخرات التريليونية المستحقة عن الشهادات سيتم تجديدها مرة أخرى، خاصة من أصحاب المعاشات والشباب محدودي الدخل والموظفين حفاظاً على دخول دورية مستقرة بلا مخاطر”.
واستبعد عبد العال اتجاه البنوك لطرح منتجات ادخار جديدة بفائدة فائقة التميز حالياً، لأن شهادات الادخار السابقة والتي بادرت البنوك العامة بطرحها كانت ترتبط بسياسات نقدية تستهدف السيطرة على معدلات التضخم المتفاقم.
وفي يناير من عام 2024، أعلن بنكا الأهلي ومصر عن إصدار شهادات ادخار جديدة بعائد مرتفع يصل إلى 27% سنوياً، وذلك بعد انتهاء فترة شهادات الادخار التي كانت تمنح عائداً بنسبة 25% والتي طُرحت في يناير 2023.
وقال رئيس أحد البنوك الخاصة إن معدلات الفائدة القياسية التي أقرتها البنوك خلال العامين الماضيين كانت استثنائية، وحملت تكلفة أموال مرتفعة في ظل ركود النشاط الائتماني في نفس الفترة.
وأوضح أن الشهادات مرتفعة العائد إحدى الآليات التي اعتمدت عليها السياسة النقدية في كبح التضخم وتحقق الغرض منها، مشيراً إلى أنه من المستبعد أن تطرح البنوك منتجات ادخار بفائدة أعلى من معدلات السوق، خاصة مع تراجع الأسعار.
وأكد أن البنوك الخاصة ستسعى لاستعادة حصتها من السيولة عبر منتجات ادخار منافسة تستهدف شرائح محددة من العملاء.
وارتفعت إجمالي مدخرات الأفراد بالشهادات البنكية والأوعية الادخارية المربوطة بآجال بنحو 1.14 تريليون جنيه خلال الـ10 أشهر الأولى من العام الحالي، لتقفز إلى 6.6 تريليون جنيه بنهاية أكتوبر الماضي، مقابل 5.4 تريليون جنيه بنهاية ديسمبر 2024، وذلك رغم إجراءات متوالية لخفض فائدة الشهادات لمعدلات بين 16 و17% حالياً.
منتجات مصرفية جديدة
وقال مصطفى شفيع، رئيس قسم البحوث بشركة عربية أونلاين للأوراق المالية، إن المرحلة المقبلة ستشهد مستويات فائدة منخفضة على معظم المنتجات الادخارية، مع إمكانية طرح أوعية ادخارية قصيرة الأجل بعوائد مرتفعة موجهة لفئات محددة من العملاء.
وأضاف أن انخفاض الفائدة إلى حدود 17% لا يعني بالضرورة عزوف العملاء عن البنوك، في ظل وجود شريحة واسعة من العملاء لا يرغبون في المخاطرة، بجانب الأفراد المرتبطين بقروض مضمنة.
وتابع أن بعض البنوك استعدت لموجة الاستحقاقات عبر شهادات بعوائد تناقصية أو مدفوعة مقدماً، فيما بادرت بنوك خاصة بطرح شهادات بفائدة أعلى لكن لأرصدة مرتفعة، ما يعزز تغير خريطة السيولة داخلياً.
وأكد أن خفض الفائدة لا يؤثر على السيولة في البنوك، خاصة مع تراجع التضخم واستمرار جاذبية فائدة الشهادات، مقارنة ببعض قنوات التوظيف الأخرى.
وأشار إلى أن الهدف الأساسي من إصدار هذه الشهادات كان دعم قيمة الجنيه والتصدي لعمليات “الدولرة”، والتي توقفت بالفعل بعد إجراءات المركزي بتحرير سعر الصرف والقضاء على السوق الموازية.
قنوات استثمار بديلة
ورغم ثقة أغلب العملاء في الشهادات البنكية، توقع محمد عبد العال أن تتجه نسبة محدودة من السيولة إلى صناديق الذهب أو الاستثمار المتوازن في البورصة والأسهم، لكنها ستعود في النهاية إلى الجهاز المصرفي بما يضمن استقرار السيولة.
واتفق معه شفيع الذي أشار إلى إمكانية استفادة الحكومة من هذه الأموال عبر طرح منتجات استثمارية بديلة مثل العقارات والأراضي، إضافة إلى أدوات الدين الحكومي التي تمنح عوائد مرتفعة بعد خصم الضرائب، رغم أن كثيراً من العملاء لم يدركوا هذه الميزة حتى الآن.

























