مقالات

الدكتورة سالي محمد تكتب: التأثير النفسي لوسائل التواصل الاجتماعي على الصحة العقلية للشباب

خط أحمر

في السنوات الأخيرة، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا أساسيًا من حياة الشباب، لدرجة يصعب معها تخيّل يوم واحد بدونها.

لكن خلف كل صورة لامعة على Instagram، وكل مقطع ممتع على TikTok، وكل منشور متداول على Facebook، هناك تأثير نفسي خفيّ يتسلل بهدوء إلى عقول الشباب ومشاعرهم.

عالم افتراضي.. وضغط واقعي

يقضي الشباب اليوم ساعات طويلة يوميًا أمام الشاشات، يتنقلون بين تطبيق وآخر، في رحلة تبدو مسلية من الخارج، لكنها في الواقع تخلق مقارنة مستمرة مع الآخرين.

فبينما يتابع الشاب حياة أقرانه المليئة بالسفر والنجاحات، يبدأ لا شعوريًا في مقارنة نفسه بهم، فيشعر بالعجز أو النقص أو حتى الفشل، رغم أن أغلب ما يراه ليس الحقيقة الكاملة.

وتبدأ هنا الدائرة المغلقة: كلما زادت المقارنة، زاد الضغط النفسي، وكلما زاد الضغط، لجأ من جديد إلى الهاتف بحثًا عن التخفيف، فيغوص أعمق داخل المشكلة.

الجانب النفسي والعصبي

الدراسات النفسية الحديثة أكدت أن تلقي الإعجابات والتعليقات الإيجابية على المنشورات يؤدي إلى إفراز مادة الدوبامين في المخ، وهي نفس المادة المسؤولة عن الشعور بالمكافأة والسعادة.

لكن مع الوقت، يعتمد الدماغ على هذه “الجرعة السريعة” من التحفيز، فيفقد قدرته على الشعور بالرضا من التجارب الواقعية مثل قضاء وقت مع الأصدقاء أو إنجاز مهمة حقيقية.

وهكذا يبدأ الإحساس بالفراغ والملل رغم النشاط المستمر على الإنترنت.

من التواصل إلى العزلة

رغم أن الهدف من وسائل التواصل هو القرب، إلا أن الواقع يشير إلى نتيجة عكسية.

الكثير من الشباب اليوم يشعرون بالوحدة، يعانون من ضعف مهارات التواصل الواقعي، ويجدون صعوبة في تكوين علاقات مستقرة خارج العالم الافتراضي.

تحولت الصداقات إلى أرقام، والعلاقات إلى رسائل سريعة، والدفء الإنساني إلى إشعارات مضيئة على الشاشة.

كيف نحافظ على توازننا النفسي؟

الوعي هو الخطوة الأولى في مواجهة هذا التأثير الخفي.

إليك بعض الخطوات العملية للحفاظ على صحة نفسية متوازنة أثناء استخدام وسائل التواصل:

تحديد وقت محدد للاستخدام اليومي وعدم السماح للتطبيقات بالتحكم في الوقت أو المزاج.

اختيار محتوى إيجابي وملهم بدل من متابعة الحسابات التي تثير المقارنة أو الإحباط.

ممارسة أنشطة واقعية مثل القراءة، الرياضة، أو الخروج مع الأصدقاء.

مراقبة مشاعرك بعد الاستخدام — إذا شعرت بالضيق أو التوتر، خذ استراحة فورية من الشاشة.

طلب المساعدة المتخصصة إذا بدأ الاستخدام يؤثر على النوم، التركيز، أو الحالة المزاجية العامة.

الوعي هو البداية

وسائل التواصل الاجتماعي ليست عدوًا، لكنها مرآة تعكس ما بداخلنا.

حين نستخدمها بوعي، تصبح مساحة للتعبير والتعلّم والتواصل الحقيقي.

وحين نتركها تتحكم فينا، تتحول إلى مصدر ضغط وإرهاق نفسي.

التوازن هو السر — كن حاضرًا في حياتك الواقعية بقدر حضورك في العالم الافتراضي، فالعلاقات الحقيقية والمشاعر الصادقة ما زالت تسكن خارج الشاشة.

الدكتورة سالي محمد التأثير النفسي وسائل التواصل الاجتماعي الصحة العقلية للشباب خط أحمر
قضية رأي عامswifty
بنك مصر
بنك القاهرة