مقالات

نيفين منصور تكتب: رسالة إلي أمي في ذكري موتها

خط أحمر

لا تسعفني الكلمات لأعبر لكِ عن مدي حزني لفراقك حبيبتي، مرت خمس سنوات، ومازال عقلي يرفض فكرة فقدانك علي الرغم من إيماني الشديد بقضاء الله وقدره، فما كان بيننا يا أمي ليس حباً عادياً تحكمه الفطرة، إنما كان ترابط روحي من نوع خاص لا يدركه العقل البشري، لم أكن أدرك أحقاً أنت أمي أم إبنتي ، فمشاعري اختلطت مع العمر ،فقد لعبت معك كل الأدوار، أجبرتني الحياة أن أُحرم منك لسنوات طويلة وأنا صغيرة، ورغم البعد فقد كانت روحي شديدة التعلق بكِ، ثم التقينا وكنتِ أنتِ السند في حياة مُرَّة ، وأزمات لا تنتهي ، كنت دائماً أشعر فيها رغم مُرَّها بالأمان لوجودك بجانبي حبيبتي.

اتذكر جيداً أيامك الأخيرة، وأنت علي فراش الموت، رغم شدة مرضك، وغيابك عن الوعي أحياناً، تمنيت أن لا تحرمني منك الأيام أبداً ما حييت، كنت أحمد المولي عز وجل عندما أستمع لصوت أنفاسك التي تطمئن قلبي أنكِ رغم ضعفك مازلتِ معي ، حتي لو كان ما أره منك مجرد شهيق وزفير فقط، إلا أن روحك كانت ما زالت بجانبي تشعرني بالطمأنينة أن الخير ما زال في الدنيا ، فأنت ما زلت هنا .

 

إذا أحببت وصفك فلن أستطيع ، وكيف أوصف روح طاهرة أحبتني وفضلتني علي نفسها لعمر طويل، إمرأة تحمل صفات الطفولة البريئة والطيبة والقوة والصمود ، صادقة في حبها لمن حولها معطاءة ، علي الرغم من أنها كانت سريعة الغضب إلا أن طيبة قلبها كانت أهم صفاتها ، فابتسامة صادقة كفيلة أن تطفيء نيران الغضب والحزن.

في مثل هذا اليوم غابت شمس حياتي ، فانطفئت وأظلمت، لن أستطيع نسيان هذا اليوم أبداً ما حييت ، فقد كانت أمي تنظر إلي ليلتها نظرة المودع الراحل ، كانت تريد أن تحدثني للمرة الأخيرة ولكن الكلمات لم تسعفها لشدة مرضها، أطعمتها وأعتنيت بها للمرة الأخيرة ولَم أدرك أنني أجهزها للرحيل، تركتها وكل ما أتذكره كلمات قلتها لأولادي ليلتها ،، أمي الآن ستنام وسوف ترتاح، كنت في شدة الإرهاق والتعب وذهبت لأرتاح لساعات قليلة في انتظار شروق الشمس لأخرج لأشتري لها أنبوبة أكسجين جديدة حتي أضمن من جديد سماع أنفاسها ولكن القدر لم يمهلني.

وفِي تمام السادسة صباحاً إستيقظت علي صوت زوجي وهو ينظر إلي نظرة تخفي ورائها عبارات كثيرة من الحزن والمواساة، أتذكر سؤاله جيداً ، ماذا تنوي أن تفعلي اليوم؟ وكانت إجابتي بكل حماس ، سأذهب لأحضر لأمي أنبوبة أكسجين جديدة فإذا برده يصدمني ، ويمزق فؤادي، وهو يقول لا داعي لها الآن البقاء لله، أصعب يوم مر في حياتي ، وأشد كلمات سمعتها أذناي، أمي رحلت وتركتني ممزقة لفراقها، الخير يرحل عن دنياي ويحل مكانه الحزن والوحدة ومرارة الفراق.

 

تعلمت من أمي الرحمة والوفاء ، فارحمها يا رب العالمين برحمتك الواسعة واسكنها بكرمك فسيح جناتك، كانت ومازالت سيرتها العطرة تملأ الدنيا ، وسأظل أذكرها إلي أن ألقاها، القصة ليست في الأدوار التي نلعبها في هذه الدنيا، فيوماً ما سوف تُرفَع الأنساب ، وتُلغي تلك الأدوار ولكن تبقي الأرواح الطيبة بسيرتها تذكرنا بأفضال من سبقونا إلي دار الحق ، وتشتاق قلوبنا إلي رؤياهم.

أكم من الناس ماتوا وما زلنا نذكرهم بكل خير ، ونحزن لفراقهم، وأكم من الناس رحلوا عن عالمنا وسعدنا برحيلهم ، فأحسنوا لأنفسكم ولمن حولكم ، حتي تظل ذكراكم العطرة باقية ما دامت الدنيا، ثم ينتقل ريحها الطيب إلي دار البقاء حيث اللقاء من جديد والشوق للأحباب .

نيفين منصور رسالة إلي أمي في ذكري موتها خط أحمر
قضية رأي عامswifty
بنك القاهرة
بنك مصر