عبير سليمان تكتب: حب يملك صفة الاحتيال


كم مهيب هذا الحب المنتظر والذي تمهد تفاصيل الحياة له القدوم وترحب بالإتيان. فكل الملامح في الصغر تدعم منابت الشوق له في كافة التفاصيل المخاطبة للوجدان من إبداع وفن وقصص وحكايات الجدات.. فمنذ نعومة أظافرنا نحاط بحب ورعاية من الآباء.. رعاية وحب ودفئ نحن مركزه وله غير فاعلين أو منتمين أو متلهفين.. ثم تبرق عينانا بريق يهدي قلوب الحائرين في صبانا وكأننا نستشرق قدوم شمس الحب ونورها الساطع البديع.
هذا النور الذي تسرب إلينا عبر سطور روايات الحب التي كنا نتبادلها سرا لنشفي الوجد المسكين.. لنسكن ولع شغفا منتظر فارس الأحلام.. هذا المخلص الأوحد الذي خلق لقلبا واحدا في عالم ما قبل التكوين.
نعم كنا نظنه مخلصنا من ثقل التلعثم وضبابية الوصف وخرس البوح.. وكأن الحب والفارس هما كائن سحري سيأتي ومعه كافة جراءات كسر تابوهاتنا التي سرت وقيدت من أطراف الحماية الأسرية والعرفية والمجتمعية وربما القمعية التي لا تبارك أي مشاعر سوي مع فستان العرس و زغاريد النساء المقربين.. ليبقى لدينا ثورة عارمة جاهلة بملامح العشق الصادق الجامح الذي يحمل كافة صفات النبل والثراء المتجرد من اي مادية مرهقة للنفس والروح شكلت كل إنسان.
هكذا كان الحب لنا أملا.. لا نعرف عنه سوي أساطير نتناقلها وكل منا تصورت نفسها عروسا متوجة على قلب رجلها الأول والأخير وصاحب اطنان وفيضان الأمان .. ولكن ان الحياة لم تكون يوما بتلك الشفافية التي تلاعبت بنا ورسمت بريشتها اوهام تربعت داخل عقولنا .. لنصطدم بواقعنا الرذيل صاحب الصفات المادية المتوحشة التي استباحت المشاعر وضاجعت ثنايا الوجد جهرا دون خجل.. وكأنها تتعمد العهر والعري لتفضح واقع جاف غاب عنه الحب عنوة وقصدا وتربصا وشوه ملامح الفارس النبيل الذي تربعت داخله خصال الرجال .. ودون هوادة تمر سنوات عمرنا وتحملنا التجارب والسنوات نحو مدركات تشبه احتراب وعنف محتدم فرض جبرا دون رغبة منا.
وكل ما تروق لنا الحياة يوما وتصفو ليالينا ونصنع ونرصع جنباتها بحبات ضي تشبه قلوبنا وقطرات شهد الجوي.. ويأتي البساط السحري المموج المحمول فوق سحاب صافية ومعه عناق ممتد من حبيب هو لنا كل الرجال العون والعشق والسند.. تصفعنا مادية الزمن وقسوة وجفاء كل من يشارك في صنع تفاصيله.. فالفرار هنا محال والتحليق هنا عبث وجنان.. والبقاء والاستسلام موت لا محال.. لنبقى في دوامة بحث دائمة للحظات تصفو لها الأحوال.. ونغصب على الاعتراف بأن الحب موجود وقادم لا محال.
ربما نستطيع البقاء على أمل أننا سنحب في تمام البدر واكتماله دون فقد وحرمان.. حتى لو ادركنا أنه صعب المنال .. وأن الحب لا يمكن أن يكون إلا إذا كان يملك صفة الاحتيال.