مقالات

إبراهيم سليم يكتب.. بوجبا وتولستوي والإسلام والإمام محمد عبده

خط أحمر

منذ فترة  جذبني أحد تصريحات لاعب كورة القدم  الفرنسي الجنسية ولاعب فريق مانشستر يونايتد عن سبب اختياره  للدين  الإسلامي وسعادته بهذا الدين يقول  فيه.

"صليت مرة واحدة مع أصدقائي وبعدها شعرت بالسلام النفسي".. هكذا كشف اللاعب الفرنسي ونجم مانشستر يونايتد، بول بوجبا، عن كيفية اعتناقه الإسلام".

هكذا يبين بمنتهي البساطة  كيف أنه رأى الإسلام من هذه الزوايا التي أثرت في سلوكة  وفي روحه والتي شعر من خلال تأدية فريضة الصلاة.. بمعنى السلام النفسي وسكون القلب ومتعة القرب  من الله.

تذكرت  في هذه اللحظة الكاتب والروائي الروسي عملاق الأدب الروسي والمصلح الاجتماعي والمفكر الأخلاقي (ليو تولستوي) والذي يعده البعض أعظم الروائيين على الإطلاق بفضل أعمال عظيمة خطها يراعه مثل “الحرب والسلام” و”آنا كارنينا”، فله كذلك كتاب عن الرسول صلى الله عليه وسلم موسوم تحت عنوان (حِكَم النبي محمد) والذي يقول فيه.

"ومما لا ريب فيه أن النبي محمد كان من عظماء الرجال المصلحين الذين خدموا المجتمع الإنساني خدمة جليلة ويكفيه فخراً أنه هدى أمة بأكملها إلى نور الحق وجعلها تجنح إلى السكينة والسلام وتؤثر عيشة الزهد ومنعها من سفك الدماء وتقديم الضحايا البشرية وفتح لها طريق الرقي والمدنية وهذا عمل عظيم لا يقوم به شخص مهما أوتي من قوة، ورجل مثل هذا جدير بالاحترام والإجلال".

وفي مقطع آخر من الكتاب: "وجوهر هذه الديانة يتلخص في أن لا إله إلا الله وهو واحد أحد، ولا يجوز عبادة أرباب كثيرة، وأن الله رحيم عادل، ومصير الإنسان النهائي يتوقف على الإنسان وحده، فإذا سار على تعاليم الله فسيحصل على الجزاء، أما إذا خالف شريعة الله فسينال العقاب».

ويصف ليو تولستوي النبي محمد قائلا هو مؤسس دين ونبي الإسلام الذي يدين به أكثر من مائتي مليون إنسان وقام بعمل عظيم بهدايته لوثنيين قضوا حياتهم في الحروب وسفك الدماء، فأنار أبصارهم بنور الإيمان وأعلن أن جميع الناس متساوون أمام الله "

 كما اختار تولستوي مجموعة من أحاديث الرسول بلغت 64 حديثا  وضمنها كتابه ومنها: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، إن الله عزوجل يحب ان يرى عبده ساعيا في طلب الحلال.

مما دعا الإمام محمد عبده رائد النهضة الحديثة أن يرسل إليه برسالة  "عين شمس - ضواحي القاهرة - فى 8 إبريل 1904.. أيها الحكيم الجليل مسيو تولستوي لم نحظ بمعرفة شخصك ولكن لم نحرم التعارف بروحك، سطع علينا نور من أفكارك، وأشرقت في آفاقنا شموس من آرائك ألفت بين نفوس العقلاء ونفسك، هداك الله إلى معرفة الفطرة التي فطر الناس عليها، ووقفك على الغاية التي هدى البشر إليها، فأدركت أن الإنسان جاء إلى هذا الوجود لينبت بالعلم ويثمر بالعمل، ولأن تكون ثمرته تعباً ترتاح به نفسه وسعياً يبقى ويرقي به نفسه، شعرت بالشقاء الذي نزل بالناس لما انحرفوا عن سنة الفطرة واستعملوا قواهم التي لم يمنحوها إلا ليسعدوا بها فيما كدر راحتهم و زعزع طمأنينتهم، نظرت نظرة في الدين مزقت حجب التقاليد ووصلت بها إلى حقيقة التوحيد، ورفعت صوتك تدعو إلى ما هداك الله إليه وتقدمت أمامهم بالعمل لتحمل نفوسهم عليه، فكما كنت بقولك هادياً للعقول كنت بعملك حاثاً للعزائم والهمم".

وتضيف رسالة محمد عبده: "وكما كانت آراؤك ضياء يهتدي به الضالون، كان مثالك في العمل إماماً يقتدي به المسترشدون، وكما كان وجودك توبيخاً من الله للأغنياء كان مدداً من عنايته للفقراء، وإن أرفع مجد بلغته وأعظم جزاء نلته على متاعبك في النصح والإرشاد هو الذي سموه بالحرمان والإبعاد، فليس ما كان إليك من رؤساء الدين سوى اعتراف منهم أعلنوه للناس بأنك لست من القوم الضالين، فأحمد الله على أن فارقوك بأقوالهم، كما كنت فارقتهم في عقائدهم وأعمالهم، هذا وإن نفوسنا لشيقة إلى ما يتجدد من آثار قلمك فيما تستقبل من أيام عمرك، وإنا لنسأل الله أن يمد في حياتك ويحفظ عليك قواك، ويفتح أبواب القلوب لفهم ما تقول ويسوق الناس إلى الاهتداء بك فيما تعمل والسلام.

مفتي الديار المصرية محمد عبده.. إذا تفضل الحكيم بالجواب فليكن باللغة الفرنسبة فأنا لا أعرف من اللغات الأوروبية سواها.

ورد تولستوي بخطاب رقيق إلى محمد عبده يقول فيه: "المفتي محمد عبده.. صديقي العزيز.. تلقيت خطابك الكريم الذي يفيض بالثناء علي، وأنا أبادر بالجواب عليه مؤكداً لك ما أدخله علي نفسي من عظيم السرور حين جعلني على تواصل مع رجل مستنير، وإن يكن من أهل ملة غير الملة التي ولدت عليها وربيت في أحضانها، فإن دينه وديني سواء لأن المعتقدات مختلفة وهي كثيرة، ولكن ليس يوجد إلا دين واحد هو الصحيح، وأملي ألا أكون مخطئا إذا افترضت، استناداً إلى ما ورد في خطابك، أن الدين الذي أؤمن به هو دينك أنت، ذلك الدين الذي قوامه الإقرار بالله وشريعته والذي يدعو الإنسان إلى أن يرعى حق جاره، وأن يحب لغيره ما يحب لنفسه. وأود أن تصدر عن هذا المبدأ جميع المبادئ الصحيحة، وهي واحدة عند اليهود وعند البرهمانيين والبوذيين والمسيحيين والمحمديين.

واعتقادي أنه كلما امتلأت الأديان بالمعتقدات والأوامر والنواهي والمعجزات والخرافات تفشي أثرها فى إيقاع الفرقة بين الناس، ومشت بينهم تبذر بذور العداوة والبغضاء. وبالعكس كلما نزعت إلى البساطة وخلصت من الشوائب اقتربت من الهدف المثالي الذي تسعى الإنسانية إليه، وهو اتحاد الناس جميعاً.

من أجل ذلك ابتهجت بخطابك ابتهاجاً غامراً، وودت أن تقوى بيننا أواصر القربى والتواصل... تفضل أيها المفتي العزيز محمد عبده بقبول وافر التقدير"... فليس كما يحاول البعض ان  يصور ان الدين الاسلامي  هو دين القتل والعنف والتخريب ....ولكن مما سبق   تتضح الحقيقة و مدي قوةالأسس التي يقوم  عليها هذا الدين  الإسلامي  من ارساء قواعد المحبة والتسامح بين الناس محبة الناس جميعا وحب الخير لهم ليس للمسلمين فحسب بل للإنسانية بأكملها.

إبراهيم سليم بوجبا تولستوي الإسلام الإمام محمد عبده خط احمر
قضية رأي عامswifty
بنك مصر
بنك القاهرة