مقالات

الدكتور أيمن الرقب يكتب: بريطانيا بين زمنين

خط أحمر

من يتابع دفاع المملكة البريطانية المتحدة ومعها معظم دول الغرب ودعمهم لأوكرانيا بكل ما أوتيت من قوة ، يعود بالذاكرة لما سببته بريطانيا لنا من مأساة ، بريطانيا التي كانت رأس الإمبريالية في القرن التاسع عشر ، سخرت كل نفوذها لتوطين يهود العالم في ارض فلسطين ، بريطانيا التي كانت إمبراطورتيها الاستعمارية لا تغيب عنها الشمس من مساحتها التي تستعمرها في العالم ، تتحدث عن الديموقراطية وحقوق الإنسان .
نحن ندرك أن العالم يدار بسياسة المصالح ، ولكن أن تجلب مستعمرين من أصقاع الأرض لتمنحهم أرض شعب أعزل تكمن المأساة ، و لتحقق بريطانيا هدفها تقاسمت هي وشريكتها الاستعمارية فرنسا تقسيم العالم وكأنه مشاع خاص، واصرت بريطانيا على أن تكون فلسطين من نصيبها بعد الحرب العالمية الأولى وأخذت بناء على اتفاقية سايكس بيكو عام 1916م فلسطين تحت سيادتها الاستعمارية ، ليصدر وعد بلفور عام 1917م لتمنح بريطانيا المستعمرة ما لا تملكه لمن لا يستحق ، الا وهي منظمة الصهيونية ،و أكملت بريطانيا جريمتها عندما انتدبت نفسها لإدارة الأراضي الفلسطينية عام 1922 م ، مستندة على قرار من عصبة الأمم التي تشكلت لإدارة مصالح الأقوياء ، وسهلت بعدها تجميع يهود العالم للتوطين والاستيطان في فلسطين ، حتى مكنوهم لبناء كيانهم الغاصب على حساب الدماء الفلسطينية.
ونحن نتابع ما تقوم به بريطانيا وحلفائها من الغرب والولايات المتحدة الأمريكية لدعم اوكرانيا منذ أكثر من عام ، نستذكر التاريخ ، فبريطانيا تبحث عن مصالحها ، وتتدعي الدفاع عن حقوق الإنسان، و في كلمته بيوم التضامن مع الشعب الفلسطيني وعلى منصة الأمم المتحدة ، طالب الرئيس الفلسطيني محمود عباس بمحاكمة بريطانيا ، لأنها تسببت في جريمة طرد الشعب الفلسطيني من أرضه ، وكنت اتمنى من الرئيس ابو مازن إن يعلن عن تشكيل لجنة قانونية للبدء بالتوجه الحقيقي للمؤسسات الدولية لمحاكمة بريطانيا ، حتى لا يتكرر النص كما تكرر منذ سنوات دون خطوات عملية .
يقودنا ما نراه من موقف بريطاني وغربي لدعم اوكرانيا ، للبحث عن أسباب هذا الدعم العسكري والمالي والاجتماعي وينقسم الأمر إلى بعدين على الأقل .
البعد الاول / اعتبار أوكرانيا دولة أوروبية ، فمنذ اعلان اوكرانيا استقلالها عام 1991م بعد تفكك الاتحاد السوفيتي ، والحكومات الأوكرانية المتعاقبة تقول بحملات من أجل الانضمام للاتحاد الأوروبي ، ونتج عن هذه الحملات تنامي الرغبة لدى أوروبا لضم اوكرانيا للاتحاد الأوروبي دون اتخاذ قرار جدي ، ولكن الحرب الاخيرة جعلت اوروبا تذهب اتجاه اعتبار أوكرانيا جزءا من أوروبا .
البعد الثاني / مصالح بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، حيث تم استغلال الأراضي الأوكرانية لبناء مصانع أسلحة محرمة دولية ، وتطوير منظومات عسكرية تجسسية ، خاصة بعد خنوع الرئيس الأوكراني لهذه المطالب البريطانية الأمريكية ، مستغلين ما يطلق عليه التهديد الروسي ، وهذا الشعار الذي تستخدمه بريطانيا الان بحجة التهديد الروسي ، لتقديم هذا الدعم السخي لأوكرانيا ، بل الدخول مباشرة بالحرب .
قد لا يعنينا كثيرة ما يدور في ملف الصراع في اوكرانيا ، ولكن نحدث حالة إسقاط على ما حدث في فلسطين قبل ما يزيد عن مائة عام ، وما يحدث الان من ازدواجية المواقف والقرارات .
هذا العالم الذي تحكمه المصالح ، لا يهمه الشعوب ، ولا يهمه الدماء التي تسقط في الحروب ،وتحت شعار الغاية تبرر الوسيلة ، يقتل الابرياء .
التمييز العنصري داخل أوروبا كان واضحا عند استقبال اللاجئين الاوكرانيين ، فلم تنصب لهم الخيام ، بل فتحت لهم البيوت والحدود ،وعبر أكثر من مسؤول سياسي وإعلامي إن هؤلاء لاجئين من لوننا ، وليسوا من الشرق الأوسط .
هذه الحرب التي تستعر نارها منذ ما يزيد عن عام كشفت كذبوا هذا العالم الذي يدعي الديموقراطية وحقوق الإنسان ، هذا العالم الذي آن الأوان ليعيد الحقوق للشعب الفلسطيني ، ونحن ندرك أن حقوقنا لن تسقط بالتقادم ، وسيأتي جيل يحاكم بريطانيا والغرب على جريمتهم تجاهنا ، واتجاه الملايين من الشعوب في العالم والتي سُرقت ثرواتهم من هؤلاء الغزاة .

الدكتور أيمن الرقب بريطانيا بين زمنين خط أحمر
قضية رأي عامswifty
بنك القاهرة
بنك مصر