مقالات

نيفين منصور تكتب: لعنة الاستحقاق

خط أحمر

كلمة استحق دائما ما تكون مفتاح استحواذ الظلمة على النفوس ، ويتسرب الظلام إلى القلوب حتى تعمى ، فيسيطر الشر، وتُخرج الروح أسوأ ما فيها وهو لعنة الاستحقاق، التي قد تدمر كل من يصاب بها ، كما تدمر كل من تصدر منه.

والاستحقاق يعد من الأمراض التي قد تصيب النفس، ولكن بدرجات متفاوتة، يشعر فيها الشخص المصاب بأنه يستحق دون غيره الحصول على شيء ما ، قد يكون مادي أو معنوي ، كالحصول على المال والغنى أحيانًا، أو الحصول على سلطة معينة أو حبيب بمواصفات مختلفة، أو وظيفة بدرجة مميزة ، أو موهبة ما أو قدرات روحية خاصة، تختلف عن المألوف، وعندما لا يستطيع الحصول على مبتغاه يصاب بالإحباط فيتحول ذلك الإحساس مع الوقت إلى طاقة من الغضب والكراهية ، إذا استمر هذا الشعور ولم يستطع السيطرة عليه والرضا بما قسمه الله له ، يلعن من حوله ممن لديهم ما ينقصه .

وقد تتحول تلك الكراهية إلى رغبة في التدمير لمن لديه الشيء المرغوب فيه ، فالمريض بالاستحقاق تطارده دائما تلك الأفكار المدمرة التي تحركه، تلك الأفكار التي تقنعه بأنه يستحق كل ما يريده عن جدارة ، ويظن أحيانا بأن الكون مدين له، فيعطي لنفسه قيمة أكبر من الحقيقة، و قد يظن أنه العنصر المحرك لكل من حوله، وقد يصل به الظن بأنه كالفَلك الذي يحتضن الكواكب والمجرات وقد تفنى إذا غاب .

ومرض الاستحقاق قد يتسبب في تدمير الذات أو تدمير الآخرين، أحيانا يظهر منذ الطفولة، وأحيانا أخرى يكون نتاج حياة وتجارب سيئة يمر بها المرء فيتحول إلى شخصية لديها القدرة على الكراهية ، والرغبة في تعويض النفس عما مر بها من معاناة ، وقد يخدع مريض الاستحقاق البعض بمظهره الطيب البشوش على عكس الحقيقة التي تسكن القلب ، فالوجوه البريئة أحيانًا يختبئ من خلفها جنود الشر ، ومهما كان ظاهر الأمر البراءة إلا أن المصاب بمرض الاستحقاق يتحول مع الوقت لقوة مدمرة لمن حوله .

وعندما يزداد التعلق لدى المريض بشيء ما يرى أنه يستحقه أو يتمناه ، تزداد المأساة ، فهو لا يتقبل أن يرى هذا الشيء مهما كان ماديا أو معنويا مع غيره، والطامة الكبرى تزداد عندما يتمثل هذا الشيء في شخص ما ، رجل كان أو امرأة ، فلا يتقبل أن يراه مع غيره ، ويحاول تدميره إما بالفعل أو في مخيلته، وقد يزداد الأمر ويتطور حتى يصاب القلب بالعمى ، حينئذ يستحوذ الظلام على تلك الروح ،فتتعاون معه ، وينتج عن ذلك تلك اللعنات التي تلاحق الشخص المستهدف ، وقد تدمر حياته.

غضب الروح يفتح باب اللعنات على من غَضبت منه ، وقد يلعن المرء من غَضب عليهم بلسانه بالقول الصريح ، وقد يلعنه بقلبه إذا تملك منه الغضب الشديد تجاه هذا الشخص وشعر بالرفض من تجاهه، واللعن ينافي تعاليم الدين الحنيف، كذلك تمني ما ليس لك بدافع من مرض الاستحقاق ، وقد نبهنا المولى عز وجل لذلك في كتابه الكريم حيث قال (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) كما يقول (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} وقد صح عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال (لعن المؤمن كقتله )رواه البخاري .

الدنيا دار مؤقتة ، والحياة فيها مجرد أيام تنقضي ونذهب إلى الحياة الحقيقية التي لا موت فيها ولا فناء، ومهما كانت مغريات الدنيا فهي لا تستحق التعلق الشديد ولا تستحق أن نلعن بعضنا بعضا رغبة في الحصول على ما لم نحصل عليه،فكلنا راحل عنها يوما ما ، والتواضع والرضا بالمقسوم من مفاتيح السعادة الدنيوية ، وأسباب صلاح القلوب والنفوس.

نيفين منصور لعنة الاستحقاق خط أحمر
قضية رأي عامswifty
بنك القاهرة
بنك مصر