الدكتور ظريف حسين يكتب: بين السلفية والسلف!


يدل مصطلح "السلفية" علي التمسك بالقديم، وعدم الاعتداد إلا به هو، وأنه وحده يتضمن الصواب في الدين، وأنه الحد الأقصي لكل فكر سليم، ولكل سلوك قويم، وأن علي المؤمن الحالي أن يسدد ويقارب علي ما كان يفعله الأقدمون.
ولكن التفاوت بين الوقائع الحية، والمضامين الحرفية للنصوص يظل مرتعا يلعب فيه المُفتون؛ ولذلك وجب إعمال العقول بإعادة الفهم والتأويل؛ بشرط أن يكون ذلك في صالح الواقع ولتحسين جودة حياة الناس، وتعزيز قدراتهم علي منافسة الآخرين فضلا عن مجاراتهم، بالتواصل الزماني، وعدم "تجميد" النصوص بحجة أن قداستها تعني "التأبيد". فقد جعل الله الحياة متطورة، وجعل أكثر نصوص القرآن متشابهات، وقضي بأننا لن نصل أبدا إلي تأويلها؛" وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم".(آل عمران: 7).
وههنا، ولكل من وصل بين شطري الآية أن يدعي لنفسه قدرته من دون غيره علي التأويل بوصفه من الراسخين في العلم، ومن هنا فقد تمزقت الأمة بين سفهاء لا يعلمون شيئا عن أمور دينهم، وحكماء قادرين علي فهم مرادات الله، ولم يتوقفوا عند وصف أنفسهم بالحكمة العلمية، بل وسعوا معني الحكمة المزعومة لهم ليطالبوا غيرهم بالخضوع لهم؛ بوصفهم حكاما يحكمون بما أنزل الله! وهكذا يَحلُو لأكثر السلفيين تفسير آيات الحاكمية علي أنها تعني "القيادة" بكل معانيها العسكرية والطائفية، بل والروحية: فالمهم عندهم أن تصيبهم السلطة من كل سبيل، بدعوي أنهم أَحكم من غيرهم، وأتقي منهم!
وأما "السَّلَف" فهم جملة من سبقونا إلي الإيمان، عكس الخَلَف. ولكن "السلف" منهم "الصالح" ومنهم "الطالح"، كما في كل مجال. ولا يصح الاقتداء بأي شخص بوصفه معيار الكمال، لمجرد أنه كان يعيش في الماضي، بأي حال من الأحوال!