نيفين منصور تكتب .. الحوار الصعب


من أكثر المشكلات التي تواجه المجتمع هي صعوبة التفاهم والتحاور مع البشر وخصوصاً في مجتمعنا العربي، فرد الفعل السريع لدي من تحاوره ينهي الحوار قبل بدايته ، وقد يتحول إلي عداوة وسباب وتشابك بالأيدي في بعض الأحيان.
ربما لو زال التسرع في رد الفعل لقلت العديد من المشكلات وخصوصاً داخل المنازل ، فأحياناً رد الفعل الغاضب من أحد الأزواج وعدم الرغبة في الحوار يدمر الأسرة ويقضي علي المحبة، وتتحول العداوة إلي كراهية مزمنة وقد تصل إلي المحاكم أو إلي عراك دامي في بعض الحالات.
ظاهرة يجب القضاء عليها والتصدي لها، وإيجاد حلول للتخلص منها، فالغضب دون فهم يؤدي إلي كوارث والأمثلة كثيرة ومتعددة ليست فقط بين الأزواج وإنما في مجال العمل وبين الأصدقاء وتظهر كذلك في التعامل اليومي بين الناس في الشوارع والمناطق العامة ، فالغضب لدينا يسبق الفكر والتدبر، وأحياناً يتسرع الإنسان في رد الفعل ويصل الغضب إلي حد الجريمة التي تقضي علي المستقبل وتحطم الآمال.
وتستمر المشكلة وتظهر أكثر عند عرض الفكر المعارض إما من خلال النقاش بين الأفراد أو ربما من خلال الحوارات المجتمعية التي تقدم من خلال برامج التحاور المختلفة، فإذا ما تم عرض نقاش أو جدل يهم فئة من المواطنين ، يظهر المعارض فجأة بوابل من الدعاء أو السباب بأقبح الألفاظ دون محاولة منه لفهم مضمون الحوار أو وضع الأعذار للمتضررين الحقيقين من موضوع المناقشة.
إذا كان الحال كذلك بين الأفراد والأصدقاء وبين العائلة الواحدة، فكيف لنا أن نصل إلي حلول في مشاكلنا اليومية التي تخرب الحياة وتحطم السعادة؟ العند والمكابرة أصبحت سمة العصر لدي الكثيرين، مما ينذر بخلل جسيم يقضي علي السلام الاجتماعي ويدمر العلاقات.
أمرنا المولي عز وجل بحسن المجادلة حيث قال في كتابه الكريم (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) و رغماً عن ذلك فالبعد عن الدين والإيمان الحقيقي أدي إلي دمار لغة الحوار بين البشر حتي وصل الحال للدم في بعض الأحيان.
حوادث متعددة علي الطريق أدي بها الغضب إلي التحول إلي عراك ودماء فيتحول الغاضب إلي قاتل أو مقتول علي الرغم من أن الكلمة الصادقة قد تحل المشكلة وقد ينتهي الغضب بالتراضي بين الأطراف إذا استطاعوا أن يسلكوا سبل الحوار والتفاهم ، والأمثلة كثيرة جدا ومتعددة وحلها بسيط فقط يحتاج إلي صبر وهدوء وقد يصل الحوار إلي إحقاق الحق وإنهاء الخلاف.
المشكلة الكبري ليست فقط في التسرع في ردود الأفعال والغضب ، إنما يضاف إلي ذلك العند والمكابرة والسخرية من الآخرين، فالسخرية من الطرف المعارض لوجهة نظرك أصبحت سمة العصر ، وتتحول السخرية إلي التقليل من شأن الآخرين ثم الإسفاف والتطاول .
نحتاج إلي التغيير الحقيقي، نحتاج إلي الصبر وعدم التطاول ، نحتاج أن نتعلم كيف نتحدث مع من يعارضنا بحجة قوية ، وإعطاء الفرصة للآخر للتعبير عن وجهة نظره، نحتاج أن نستغني عن الغضب الذي يؤدي إلي كوارث، لن تتحسن الحياة ولن تستقيم إذا امتلات القلوب بالغضب المستمر، ولن ينفع الندم بعد فوات الأوان .
نحتاج إلي تهذيب النفس حفاظاً علي الدنيا والآخرة فحسن الخلق ثقيل في الميزان يوم القيامة وورد عن رسولنا الكريم أنه قال صلى الله عليه وسلم: "ما من شيء أثقل في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق وإنّ الله ليبغض الفاحش البذيء" يتجاهل الكثيرون أهمية حسن الخلق ويستسهلون السباب وبذاءة اللسان ويتناسون أن الحياة مهما طالت قصيرة وينتهي الحال بالميزان الذي يقيم العدل ويحق الحقوق، فيكتشف البذيء حينها قدر فقره ، فالفقير الحقيقي من يفقد رحمة مولاه يوم يلقاه .