الدكتور فتحي الشرقاوي يكتب ... مجرد خاطرة عن الشهر الفضيل !!


أكتب إليكم اليوم ودموعي تذرف من عيني ، وأنا أعيش بذاكرتي طقوس رمضانية تعبق بجو روحاني جميل وممتع ، كنت قد عشته طويلاً بين أفراد عائلتي ، ولكنى الآن أفتقدها كما يفتقدها الكثير مثلي ، صقوس مدونة في سجل ذكرياتنا التي لا يعرفها النسيان ، طقوس لم تعد موجودة بيننا ، فقط سمعنا عنها من آبائنا وأمهاتنا ،وأصبحنا نرويها لأبنائها الذين لم يعاصروا تلك الأجواء الإحتفالية الرمضانية المبهرة ، والتي باتت تنحسر في دائرة ضيقة ، فضاقت بها دائرة اللقاءات العائلية الكبيرة ، واقتصرت على أفراد الأسرة الواحدة التي لا يتعدى عدد أفرادها نصف أصابع اليد ، واختفت معها تلك اللمة التي تجمع أصول وفروع الأسرة الكبيرة مع انتشار مفردات الحياة العصرية ، وتقدم وسائل الإتصال ومحدودية الدخل وهموم الدنيا .
فبعد أن كان هذا الشهر الفضيل محطة مميزة له خصوصية من جهة التواصل الإجتماعي ، أمسى كل فرد فيه منشغلاً بنفسه ، وبزحمة مسئولياته ، وتخمة مهامه الحياتية الثقيلة ، متخذاً ذلك مبرراً لغيابه الإجتماعي عن لمة العيلة حتى في أيام شهر رمضان الكريم .
وأخذت أطرح على نفسي المقصرة جملة من الأسئلة ، والتي أعيد طرحها عليكم مرة أخرى ، لعلى أجد لديكم ما يشبع فضولي أو يسد رغبتي الملحة في ايجاد إجابة وافية شافية لما تبادر بذهني من أسئلة ، ومنها ما الذي حدث لنا ولمجتمعنا ؟ .. لماذا أخذتنا الدنيا بهذا الشكل الفج ؟ .... ولماذا لم نعد نحرص على التجمع العائلي حتى على سفرة إفطار رمضان مثلما كان يحرص آبائنا وأجدادنا ؟ ... ولماذا لا نحرص على معرفة أصولنا وتعريف الأجيال الصغار بها ؟.. ، ولم أجد صراحة أجوبة مقنعة لهذة التساؤلات بداخلي ، ولا أتصور أن أجد لها أيضاً إجابات حتى بداخل ممن هم مثلي ، والذين تناسوا أن العائلة واحتضانها لأفرادها في بوتقة الحب والسعادة والأمل تحقق لهم الحماية من مصائب المستقبل ، فضلاً عن أنها الأمان النفسي والاجتماعي والعاطفي لجميع أفرادها .
فمن يبحث منكم عن منفذ يفرغ فيه مشاعره المكبوتة ، فليفرغها بعلاقته مع أشقائه وأهله وأفراد عائلته ، التي أعدها في تصوري بمثابة المكان الدافئ الذي لا تلجأ إلا له ، حينما تتعب أو تغرق في بحر الدنيا .
فعائلتك صديقي هي سر قوتك في ضعفك ، وسعادتك في حزنك ، وهي ثقتك في خوفك ، وكمالك عند نقصك ، ولمة الأهل هي أسمى معاني الإحساس بالأمان ، والعزوة هي الذخيرة القوية لمواجهة كُربات الدهر، وهي النور الذي يشع في ظلمات الحياة ، ودعوتي هنا ليست دعوة للتعصب أو العنصرية _ لا سمح الله _ ولكنها دعوة للمة العيلة من جديد ، ولو على مائدة طعام إفطار رمضان .
وأعرف عزيزي ممن قصر في حق نفسه وعائلته مثلي ، أن العائلة هي أقوى ضمانة ضد الأنحراف النفسي ، والأمراض السيكوباتية التي تصيبنا وأولادنا في العصر الحديث ، نتيجة ثورة التكنولوجيا وعصر العولمة الذي اختلطت فيه الأمور ، وانقلبت إلى حد السكين فجزت الأصول وأبقت الفروع تعصف بها رياح الاغتراب عن الأهل والأسرة ، فالعائلة هي السند والمساعدة والحب والطمأنية ، والعائلة هي موطنك الآمن في ظل هذا العالم الموحش... فيا سادة تجمعوا ولا تتفرقوا ، فإن فلسفة العصر هي التكتل ، وسياسة المستقبل تتجسد في الإتحاد ، وعرفوا أولادكم أصولهم وتباهوا بنسبكم ، وتفاخروا بأعراقكم ، وقدموا كل غالٍ ونفيس من أجل عائلتكم ، التي باتت في هذة الأيام كنز ثمين لا يعرف مكنوناته ولا أسراره إلا من يفتقدها.