ظلت الحكومات المتعاقبة منذ ثورة يوليو ١٩٥٢ و حتى الآن تخاطب المواطنين من منطق واحد لم يتغير و لم يتطور رغم اختلاف الزمن و اختلاف ثقافة المواطن و تطور نوعية التعليم و التفكير .. إلا أن تلك الحكومات لم تنظر و لم تهتم بهذا الاختلاف بل مازال هناك اصرار على تأصيل فكرة الحكومه هي الأكثر دراية والأكثر فهما و حرصا على إدارة الأزمات و علاج المشكلات دون الحاجه إلي استطلاع رأي المواطنين حتى لو كان بشكل غير مباشر كأن تتحرى اتجاهات الرأي العام .. و ربما كان ذلك صعبا في العقود السابقة و كان يحتاج لاجراءات معقده بعض الشيئ .. بينما الآن و مع التطور التكنولوجي أصبح الأمر أكثر سهولة وأقل تعقيدا لوجود شبكات التواصل الاجتماعي و التي تعكس آراء الشارع نحو القضايا المشتركة والأزمات  التي تواجه الدولة.. و تلك المواقع تنقل و بشكل فائق السرعه التوجهات الشعبية لتضع أمام الحكومة حلولا و اطروحات قد تكون عونا لها في اتخاذ بعض القرارات الصعبة .

و قد تعرضت الدولة إلى أزمة انتشار فيروس الكورونا الذي اثار موجة كبيرة من المخاوف ليس في مصر فقط بل في العالم كله .. و اصبحت أخبار المرض و إجراءات مقاومته في مختلف الدول هو الخبر الأهم في وسائل الإعلام و في حوارات المواطنين سواء وجها لوجه أو عبر المنشورات المختلفة على وسائل التواصل و المجموعات المغلقة على الواتساب ..

 و قد دفعت تلك المخاوف المشروعة للمواطنين من انتشار المرض ان يتم مطالبة الحكومه بتعليق الدراسه في المدارس و الجامعات حرصا على الابناء و اعتبار تعليق الدراسه اجراءا وقائيا يمنع البلاء قبل وقوعه .

و مع تعالي الأصوات الشعبيه التي رأت ان من ضمن حقوقها المشروعه التعبير عن رأيها و المطالبه بان تنظر الحكومه للاتجاه الشعبي .. يأتي الرد الحكومي على لسان الدكتور طارق شوقي وزير التربيه و التعليم صادما و عنيفا و غير مقنعا من خلال مداخلاته الهاتفيه عبر البرامج التلفزيونيه .. و قد جاءت تصريحاته لتظهر نوعا من العداء ضد وسائل التواصل الاجتماعي و كأن الامر اصبح مباراة في العناد بين الوزاره و المواطنين .. و قد حملت تصريحاته تلميحا بأن ما يدفع المواطنون هو البحث عن الراحه الشخصيه دون النظر لتبعات قرار تعليق الدراسه .. و للحق اتفق تماما مع منطق الوزير بان التعليق يجب تعويضه و ان الطالب يجب ان يحصل على مقراراته الدراسيه كامله و ان لا يجب الانتقال من مرحله لاخرى دون اجتياز المراحل بتتابع سليم .. لكن ما ارفضه و ما رفضه الغالبيه العظمى من المواطنين هو لغة حوار الوزير و اسلوب التقليل الذي واجه به المطالب التي اجمع عليها تقريبا عدد هائل من المواطنين .

نعم السوشيال ميديا لن تدير الدولة اتفق تماما و لكن ايضا لا يجب تجاهلها و التعنت ضدها و تسفيهها و اعتناق فكرة بحث المواطن عن راحته فقط .

لقد صدم وزير التعليم المواطنين ليس لقرار عدم تعليق الدراسه بل بلغة التحدي و التهديد و السخريه من جمهور السوشيال ميديا الذي يمثل فعليا نبض الشارع الذي لا يراه معالي الوزير .

لقد قبل الشعب المصري إجراءات الاصلاح الاقتصادي رغم صعوبته و تأثيره الكبير على مجريات حياة المواطنين ربما بسبب لغة الحوار التي انتهجها الرئيس عبد الفتاح السيسي و صبره على سرد تفاصيل لم يكن مضطرا لشرحها .

معالي الوزير لقد خانتك لغة حوارك و زادت الفجوه بينك و بين اكثر من ١٥ مليون مواطن لديهم ابناء امانه في رقبتك .. و ربما قد تحتاج وقتا طويلا لتضييق تلك الفجوه و استعادة ثقة الشارع المصري .