الدكتور أحمد عبود يكتب: إسرائيل الصغرى وأحلام التوسع على أشلاء غزة


حينما يتحول الحلم إلى غطاء لأعمال الخسة والندالة، فإننا لا نكون أمام مشروع حضاري أو فكرة سامية، بل أمام كيان يتغذى على الدماء ويقتات من الخراب. الحلم الصهيوني القديم الذي بُني على فكرة “إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات” لم يكن سوى ستار لنهب الأرض وتهجير الشعوب ومحو كل ما يقف أمامهم، ومع كل إخفاق سياسي أو عسكري، ينعكس هذا الحلم في صورة مصغرة على غزة، تلك الرقعة الصغيرة التي باتت مرآة تكشف قبح المشروع الصهيوني.
في غزة، تتجلى “إسرائيل الصغرى” بكل بشاعتها؛ قصف عشوائي يطال البيوت الآمنة، استهداف للمستشفيات والمدارس ودور العبادة، قتل للأطفال والنساء بدم بارد تحت مبررات واهية، وحصار خانق يحول لقمة العيش إلى سلاح يضغط به على الشعب. إن ما يحدث هناك ليس حرباً بالمعنى التقليدي، بل عملية إبادة جماعية منظمة، تحاول إسرائيل أن تجعل منها درساً رادعاً لكل من يقف في وجه مشروعها.
الأفعال الصهيونية في غزة تكشف حقيقة هذا الكيان: كيان يخاف الكلمة الحرة، فيقصف الإعلاميين ويكمم الأفواه. كيان يرتجف من المقاومة الشعبية، فيرد عليها بالحديد والنار. كيان يزعم الديمقراطية، بينما يبني جدران الفصل العنصري ويحول الأراضي إلى كانتونات محاصرة. وفي كل مرة، يحاول أن يُظهر نفسه كضحية، بينما العالم كله يشهد أنه جلاد.
إن الحلم الذي يسوقه قادة الصهاينة عن “أرض الميعاد” لم يعد يقنع حتى أنصاره، فالمقاومة التي تواجههم في غزة أثبتت أن تلك الأحلام يمكن أن تنكسر على صخرة الصمود. ورغم تفوق إسرائيل العسكري، إلا أن فشلها في كسر إرادة شعب محاصر منذ سنوات طويلة جعلها تعيش مأزقاً وجودياً؛ فهي قوية في سلاحها، ضعيفة في مشروعها، عاجزة عن فرض سلام أو بقاء دائم.
غزة اليوم ليست مجرد ساحة حرب، بل هي نقطة ارتكاز لتاريخ كامل يفضح أفعال إسرائيل، ويكشف أن ما تسعى له من توسع ليس إلا وهماً ينهار أمام دموع أم ثكلى وصمود طفل يتحدى الدمار بابتسامة. إسرائيل الصغرى هناك ليست دولة طبيعية، بل مشروع استيطاني مؤقت، ينهش في الأرض لكنه لا يستطيع أن يقتل الروح.