نيرمين نبيل نبيل تكتب: بوم بوم تل أبيب.. أولى طلقات الحرب الناعمة


لم يعد سلاح الحرب اليوم مجرد صواريخ أو طائرات، بل صار اللحن نفسه أداة قتال. الأغنية التي اجتاحت الإنترنت "بوم بوم تل أبيب" ليست مجرد مقطع موسيقي عابر، بل حالة سياسية مشتعلة كشفت كيف يمكن أن تتحول الموسيقى إلى جبهة جديدة، وكيف يمكن أن تضرب الكلمات في العمق أكثر مما تفعل القذائف.
الأغنية فجرت جدلًا عالميًا: هل كتبها جندي أمريكي سابق عاش الحرب واختار الموسيقى اعترافًا وتمردًا؟ أم أنها مجرد نتاج خوارزمية ذكية صنعت صوتًا آليًا وحولت الغضب إلى إيقاع إلكتروني؟ الحقيقة أن الإجابة لم تعد مهمة بقدر ما تكشفه الظاهرة: نحن أمام زمن تتساوى فيه الكلمة الرقمية مع الرصاصة، والمقطع القصير مع الضربة الجوية.
ما جعل "بوم بوم تل أبيب" مختلفًا ليس لحنها فقط، بل وضوح عدائها لإسرائيل واستخدامها لغة قاسية في توصيف ما يحدث للفلسطينيين. وهنا يبرز السؤال الأخطر: هل نحن أمام فن احتجاجي مشروع أم خطاب كراهية متخفٍ في ثوب موسيقى؟ منظمات حقوقية اعتبرت الأغنية تحريضًا، ومنصات حاولت حذفها، لكن ملايين المشاهدات جعلت الحذف بلا جدوى.
في جوهرها، الأغنية تكشف مأزقًا أعمق: لم تعد المقاومة تحتاج إلى مقاتل على الجبهة، بل إلى مؤثر قادر على إنتاج محتوى يشتعل في ثوانٍ. لم تعد السلطة على الرأي العام بيد الجيوش ولا حتى بيد الإعلام التقليدي، بل بيد من يمتلك خوارزمية قادرة على تركيب صوت ونشره عالميًا بضغطة واحدة.
"بوم بوم تل أبيب" ليست مجرد أغنية، إنها إعلان عن عصر جديد؛ عصر تتحول فيه الأغاني إلى ذخيرة، وتصبح المنصات ساحة معركة، ويصبح الجمهور هو الجبهة المستهدفة. وربما علينا أن نتساءل الآن: إذا كانت حرب الغد لا تُدار بالصواريخ وحدها، فهل نحن مستعدون لمواجهة حرب تُصنع موسيقاها قبل مدافعها؟