إبراهيم نصر يكتب: المحبون لا يحتفلون بيوم الوفاة


هذا المقال للذين يصدعدون رؤوسنا كل عام بفتاوى علماء عقولهم متحجرة، وآراؤهم بالية ومردود عليها من علماء الأزهر الشريف وبعض العلماء القدامى الذين لهم وزنهم، ولا مطعن عليهم فى شريف علمهم وعلو قدرهم.
وكلما قررت عدم الانشغال بالرد على هذه الفئة القليلة، أجد أن من واجبى عدم السكوت عن هذا الباطل، ولا أمل من الرد حتى يملوا من اختلاق أسباب يستندون عليها لإثبات حرمة الاحتفال بذكرى مولد سيد الخلق، الذى لولاه ما عرفنا طريق الحق.
آخر ما توصلوا إليه وبدأوا فى إشاعته منذ ثبوت رؤية هلال شهر المولد النبوى الشريف، هو ما أملاه عليهم شيطانهم، أو هو نابع من خبيث نفوسهم، بأن الثانى عشر من شهر ربيع الأول هو يوم وفاته صلى الله عليه وسلم، فكيف نحتفل بيوم وفاته؟.
ورغم انشغالهم بمحاولة إبعاد أحباب رسول الله عن الاحتفال بذكرى مولده الشريف، يزداد المحبون في مختلف أنحاء العالم تمسكا بالفرح والاحتفال، ويعتبرون هذا اليوم مناسبة عظيمة للتعبير عن الحب والتعظيم لشخصية النبي الكريم، وتجديد العهد بالاقتداء بسنته ومنهجه.
ولا يخطر على بال عاقل أن المسلمين يحتفلون بذكرى وفاة الحبيب، بل هو احتفال بذكرى المولد، على الراجح من أقوال العلماء بأنه كان فى شهر ربيع الأول، فجعلوا احتفالاتهم على مدى الشهر للتعبير عن محبة الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم. وهذه المحبة ليست مجرد مشاعر عابرة، بل هي جزء أساسي من إيمان المسلم، كما قال النبي: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين". والتعبير عن هذه المحبة في هذا الشهر يكون من خلال فعاليات متعددة، منها قراءة السيرة النبوية، وتلاوة القرآن الكريم، والإنشاد الديني، وإقامة الدروس والمحاضرات التي تذكر الناس بأخلاقه وصفاته ومعجزاته.
والهدف من هذه الاحتفالات ليس مجرد إحياء ذكرى تاريخية، بل هو تجديد الالتزام بسنة الرسول والاقتداء بأفعاله وأقواله، وكيف كان النبي قدوة في الصدق، والأمانة، والرحمة، والعفو، وكيف أسس دولة الإسلام على قيم العدل والمساواة.
وإذا كان المعارضون للاحتفال والفرح بذكرى المولد النبوي الشريف، يستندون في معارضتهم إلى عدة حجج، من أبرزها أن يوم الثاني عشر من ربيع الأول هو يوم وفاة النبي، فإن المسألة هنا ليست في تحديد التاريخ الدقيق، بل في المغزى من الاحتفال.
إن الاحتفال بذكرى المولد النبوي لا يعتبر من باب التعبد الذي يتطلب نصا شرعيا صريحا، بل هو من باب العادات الحسنة والتذكير بفضائل النبي وسيرته العطرة. وهذا الاحتفال يندرج ضمن الأفعال التي تقرب الناس من دينهم وتزيد من تعلقهم بنبيهم، ما لم يصاحبه ما يخالف الشرع الحنيف.
أما يوم وفاته - صلى الله عليه وسلم - فهو يوم حزن عظيم على الأمة الإسلامية. فكيف يُعقل أن نحتفل بيوم فقدان أعظم شخصية في تاريخ البشرية؟ المنطق السليم والفطرة السليمة تأبى الاحتفال بيوم الحزن، وتدعو إلى الاحتفاء بيوم الفرح والرحمة.
وأخيرا ليعلم هؤلاء الكارهين للاحتفال والفرح بذكرى المولد النبوي، أنه تعبير عن الحب والتقدير، وتذكير للمسلمين بأخلاق نبيهم وصفاته، وليس من باب التعبد أو الابتداع. والاختلاف حول التاريخ لا يُلغي فكرة الاحتفال، والمغزى الأسمى هو الاقتداء بسيرته العطرة وتجديد العهد بالسير على نهجه.
[email protected]