الدكتور أحمد عبود يكتب: الخليج الأمريكي.. عندما تصبح الدول كروت شحن في يد ترامب


في زمن لم تعد فيه السياسة فنًّا ولا الدبلوماسية شرفًا، ظهر "الخليج الأمريكي" كأحدث المنتجات السياسية في سوق ترامب العالمي، المنتج الذي يأتيك بطعم البترول ونكهة الولاء، ومغلف بمليارات الدولارات، يُقدَّم بعلب ذهبية على هيئة صفقات سلاح ومؤتمرات ولاءات.
من يصدق أن ترامب، نجم الرياليتي شو ورائد جملته الشهيرة "أنت مطرود"، أصبح فجأة هو من يوزّع شهادات الوطنية على بعض الدول الخليجية؟ جلس على عرشه الأبيض – أقصد البيت الأبيض – ينتظر الاتصال، فلا يأتيه إلا صوت الخليج يقول: "كم تريد هذه المرة يا فخامة التاجر؟"
فجأة تحوّل الخليج إلى ماكينة صرّاف آلي شخصية لترامب. صفقة بـ110 مليار دولار في السعودية، وبعدها قمة إسلامية-أمريكية، فيها ترامب يحاضر عن التسامح، بينما يسحب الدولارات بيد، ويرفع إصبعه الآخر مهددًا إيران... أو بالأصح مذكّرًا من يشتري الحماية أنه "لو مش عاجبك، فيه بديل!"
ترامب كان يعامل الخليج كأنه عميل مميز في كازينو لاس فيغاس: "ادفع تلعب... تدفع أكتر؟ تبقى VIP، وتحصل على تغريدة دعم في منتصف الليل!"
اللافت أن بعض الحكومات الخليجية لم تكن تعترض، بل كانت تتسابق لتقديم الهدايا – سيوف، سجاد، مجوهرات، وقبلها وبعدها... الولاء السياسي الكامل. بينما ترامب يبتسم تلك الابتسامة التي تقول: "أنا مش رئيس... أنا سمسار، وأنتم الزبون اللي بحبّه."
حتى عندما خسر ترامب الانتخابات، استغاث البعض في الخليج: "ترامب لا ترحل... من غيرك نشتري الولاء منين؟ بايدن مش بيقبل فيزا!"
في النهاية، لا بد أن نعترف: ترامب كان يعرف قيمة الخليج أكثر مما يعرفها الخليج نفسه. فبينما كان هو يرى فيهم مصدر دخل إضافي لـ"ترميم البنية التحتية الأمريكية"، كانوا يرونه "حامي الحمى" و"الزعيم الضرورة" – مع أن كل تغريدة له كانت بمثابة فاتورة.
خليج اليوم؟ لم يعد شرقًا أوسطًا... بل غربًا أمريكيًا بنكهة التمر والبلايين.
أما الشعوب، فهي تقف على الرصيف، تراقب المسرحية، وتصفق... أو تبكي... أو تكتب مقالات ساخرة مثلي.