الدكتور محمد سيد أحمد يكتب: تأملات فيما حدث في سورية منذ 2011 !


منذ انطلاق موجة الربيع العربي المزعوم في مطلع العام 2011 كنت في مقدمة من وصفوا ما يحدث بأنه مؤامرة أمريكية – صهيونية على أمتنا العربية في إطار ما عرف بمشروع الشرق الأوسط الكبير، الذي تسعى من خلاله الولايات المتحدة لرسم خرائط جديدة للمنطقة بإعادة تقسيم المقسم وتفتيت المفتت داخل منطقتنا العربية المنكوبة تاريخياً، ومنذ اليوم الأول للحرب الكونية على سورية العربية كنت في خندق الدفاع عنها باعتبارها الدولة العربية الوحيدة – في تقديري – التي لم يكن هناك أي مبررات منطقية لانطلاق هذا الربيع المزعوم فوق أراضيها.
فهي تقريباً الدولة العربية الوحيدة التي استطاعت رغم محدودية مواردها الطبيعية أن تقترب من الاكتفاء الذاتي فكانت دائماً ما توصف بأنها الدولة التي تمكنت - خلال حكم الرئيس حافظ الأسد ومن بعده الرئيس بشار الأسد - أن يأكل شعبها مما يزرع ويلبس مما يصنع، مما مكنها من استقلالية قرارها السياسي فظلت الدولة العربية الوحيدة القادرة على أن تقول لا للإمبريالية العالمية بل وتقف في مواجهتها وتبني نموذجاً تنموياً مخالفاً للنموذج الذى يفرضه صندوق النقد الدولي والذي ما صار مجتمعاً وفقاً له واستطاع أن ينهض أو يتقدم، لذلك ظلت سورية محتفظة لنفسها بالقدرة على قول كلمة لا عندما تتعارض مع مصالحها الوطنية، فلم توقع على أي اتفاقيات مع العدو الصهيوني، وظلت محتفظة لنفسها بالحق في استرداد أراضيها المحتلة دون أي قيد أو شرط.
ومنذ اليوم الأول لهذه الحرب الكونية على سورية كنت أعلم أن العدو الأمريكي – الصهيوني سوف يستخدم آليات مختلفة على عكس الحروب التقليدية لذلك كتبت كتابي في مطلع العام 2012 وبعد زيارتين لسورية في ٢٠١١ تحت عنوان: " المتلاعبون بأمن سوريا " ومن خلال صفحات الكتاب حددت بدقة أهم أربع آليات في هذه الحرب الجديدة وكانت على النحو التالي:
1- وسائل الإعلام التي أطلقت عليها مصطلح " الجنرال إعلام " والتي قامت بالترويج بأن ما يحدث هو ثورة شعبية من أجل العيش والحرية والعدالة الاجتماعية في محاولة لغسيل الأدمغة وتزييف وعي الرأي العام لتبرير العدوان على سورية.
2- الفتنة الطائفية بين أبناء الشعب العربي السوري المعروف عنه تاريخياً وحدة نسيجه الاجتماعي فكانت الخطة الموضوعة هي منح مشايخ الفتنة مساحات كبيرة عبر وسائل الإعلام للتحريض على الاقتتال بين أبناء الشعب السوري عبر الشعارات الطائفية البغيضة، فسمعنا منذ اليوم الأول ( المسيحية على بيروت والعلوية على التابوت).
3- أموال النفط الحرام التي خصصت لجلب الجماعات التكفيرية الإرهابية من كل أصقاع الأرض وتسهيل مهمتهم بعبور الأراضي العربية السورية وتسليحهم ليقوموا بالحرب بالوكالة عن الأمريكي والصهيوني، وبعد سنوات من الحرب اعترف حمد بن جاسم وزير خارجية قطر بأنهم صرفوا ما يزيد عن 137 مليار دولار في الحرب على سورية، بهدف إسقاط النظام وتدمير البنية التحتية وتجويع الشعب.
4- المنظمات الاقليمية والدولية مثل الجامعة العربية والجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن والتي تدار بواسطة الأمريكي والصهيوني والتي حاولت الضغط على سورية بفرض العقوبات الاقتصادية عليها وتجميد عضويتها ومحاولة تدويل القضية وانتزاع قرار بالتدخل العسكري عبر حلف الناتو، وعندما فشلوا كان احتلال مناطق الثروات والموارد النفطية والزراعية، مع قانون قيصر الذي أفقر الجميع.
وتمكنت سورية شعباً وجيشاً من الصمود الأسطوري في وجه المؤامرة، وقامت بتعطيل كل الآليات المستخدمة على المستويين الميداني والسياسي، لما يقرب من أربعة عشر عاماً، دون أي دعم عربي أو دولي، لكن هذا الصمود الأسطوري للشعب والجيش إنهار في لحظة واحدة، فالتحالفات الإقليمية والدولية التي قام بها النظام، والتي بفضلها تحولت سورية لساحة اقتتال عالمية، هزمت قبل أن تهزم وتسقط سورية، فالحليف الإيراني والحليف الروسي الذين لهما مصالح استراتيجية في سورية والمنطقة، لم يتمكنا من دعم النظام حتى لا يسقط، فالحصار الاقتصادي كان هو السلاح الأكثر فاعلية في هذه الحرب الكونية على سورية، فالجنرال إعلام تمكنت سورية من هزيمته، والفتنة الطائفية كانت تواجه بقوة، والجماعات التكفيرية الإرهابية هزمت على الأرض، لكن الحصار الاقتصادي الخانق الذي أفقر الجميع، جعل الشعب يكفر بالقيادة، ولم يتحرك الحليفين الإقليمي والدولي لفك هذا الحصار الخانق.
وعندما جاءت اللحظة الحاسمة كانت الأرض ممهدة للسقوط، فالشعب يأس من أي تحسن في مستوى معيشته، وتوفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة، حيث خرجت سورية من عملية التصنيف فيما يتعلق بمؤشرات التنمية، وتذيلت قائمة الشعب الأفقر في العالم، فالغالبية أصبحت تعيش تحت خط الفقر، والجيش فقد الثقة بالقيادة وشعر أنه يخوض حرب عبثية بلا جدوى، خاصة في ظل حالة الافقار والجوع التي عانى منها الجنود والضباط وأسرهم، وعندما تأكد العدو الأمريكي وحليفه الصهيوني من أن الأرض ممهدة لسقوط سورية وأن الحلفاء قد تخلوا عنها، اعطوا إشارة البدء للجماعات التكفيرية والإرهابية التي كانت محصورة في إدلب للتحرك، فدخلوا إلى حلب ثم حماة ثم حمص وأخيراً دمشق دون أي مقاومة.
وبعد نجاح المؤامرة وسقوط النظام شاهدنا سقوط سورية، حيث بدأت الجماعات التكفيرية الإرهابية بتنفيذ الأجندة الأمريكية - الصهيونية، حيث تم تفعيل آلية الفتنة الطائفية بكل قوة والاقتتال على الهوية، حيث قامت الجماعات التكفيرية الإرهابية الحاكمة بمذبحة كبرى في الساحل السوري ضد أبناء الطائفة العلوية، واليوم مذبحة جديدة في الجنوب السوري ضد أبناء الطائفة الدرزية، وبالطبع لا يوجد جيش لحماية الوطن وأبنائه فقد قام العدو الصهيوني بتدمير كل الترسانة العسكرية السورية، وقام النظام التكفيري الإرهابي الجديد بتفكيك وتسريح الجيش لتحل محله المليشيات الإرهابية المسلحة، واليوم لم يعد هناك وطن اسمه سورية، فسورية التي نعرفها انتهت منذ ٨ ديسمبر ٢٠٢٤، اللهم بلغت اللهم فاشهد.