الدكتور السيد الخطاري يكتب.. جيل شاخ قبل آوانه!


يقسم الإجتماعيون الأجيال في كل دول العالم إلى عدد من الأجيال أولها الجيل الضائع وهو الجيل الذي بلغ منتصف العشرينات حتى الثلاثينيات أثناء الحرب العالمية الأولى ، أما الجيل الأعظم وهو الجيل الناشئ في فترة الكساد الكبير والمشارك في الحرب العالمية الثانية، ثم يأتي الجيل الصامت وهو جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية المولود بين فترتي الكساد الكبير والحرب العالمية الثانية ، وتأتي بعده مرحلة طفرة المواليد وهو الجيل من المواليد بين عامي 1946 و1964، ويلحقه الجيل إكس وهو الجيل المولود بين أوائل الستينات وحتى أوائل الثمانينات ، ومن بعده يأتي جيل الألفية هو الجيل الذي يقع مواليده بين أوائل الثمانينات والألفية، ثم ياتي أخيراً جيل ما بعد الألفية وهو الجيل المولود بين عام 2000 وحتى الآن.
والشريحة التي يناقشها مقالي هذا تتعلق بجيل الثمانيينات والتسعينيات أو ما يسميه الإجتماعيون (جيل الألفية) ، فجيل الألفية بات المصطلح الذي يطوف الميديا كثيرًا، ويتردد صداه في الشاشات والوثائقيات المرئية ، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي ، وبالطبع يشمل كل مواليد الكرة الأرضية في هذه الفترة ، وعندما يتم رصد مظاهر الحياة وطبيعتها في هذه الحقبة الزمنية ، فإنه يكون شاملًا لسكان العالم أجمع ، لكني – ولأكون صريحًا مع حضراتكم – لم أرَ كل مواليد العالم حينها ، ولا مظاهر حياتهم ، لذا سيكون جُل كلامي عن جيل الألفية المصري ، الذي أتشرف بأني من أفراده ، وبأني عشت كل مظاهره بأفراحه وأتراحه ، بكبواته وانتصاراته .
فباختصار شديد سوف أقص عليكم نبأ جيل قد شاخ قبل أوانه، من قاطني القرى والمدن، ذوي الأعباء الكبيرة والمسئوليات الضخمة والضغوط الكبيرة والهجمات المتتالية والامواج العاتية والفرص الضائعة ، حيث كشفت إحدى المؤسسات الأميركية عن نتائج دراسة بينت أن جيل الألفية من مواليد الثمانينات والتسعينات هم الأكثر انخراطاً في المسائل الاجتماعية والأكثر اهتماماً بالقضايا الإنسانية ، فهم من يتحملون مسئولية الجيل الذي يسبقهم من (آبائهم وأمهاتهم) والجيل الذي يلحقهم من (أولادهم وأحفادهم) ، كما أنهم أكثر من يعملون على إحداث التغيير ليس لصالحهم إنما لصالح من يلحقهم من أجيال قادمة .
فقد تربى فرد الثمانييات والتسعينيات من (جيل الألفية) على أنه مميز ، وبالتأكيد كان يطمح وأقرانه أنه سيحصل على فرص مشبعة لشغفهم ، وأنه كفرد سيكون مميزًا عمن سبقه من أجيال ، وبالطبع كان هذا وهمًا كبيراً تم زرعه في عقل جيل الألفية ، لأنه ووفقاً لمجريات الأقدار التي كتبت لهذا الجيل ، فلا يمكن له بأي حال من الأحوال أن يكون مميزًا ، ولا مرفهاً ، ولعل أحد أبناء جيل الألفية يقرأ ما أكتبه الآن فيوافقني ، فهم لم يحققوا لأنفسهم شيئاً يذكر ، وهذا ما لا يستطيع أبناء جيل الألفية قبوله .
ولأن الفرق بين المُتوقع والمُتحقق ليس في صالح هذا الجيل الذي أوقعه القدر في موقع المسئوليه عن الجيل أكس الذي يسبقه وجيل ما بعد الألفيه الذي يلحقه ، فإذا كنت قارئي العزيز أحد أبناء جيل الألفية اسأل نفسك هل حققت كل طموحاتك وأمانيك؟ أم تسعى جاهداً لتحقيق طموحات من يسبقك ومن يتبعوك من أجيال؟ ولعلك تجاوبني بنعم أليس كذلك ؟ ولكني أدعى وأنا واحد من بينكم ومن أبناء جيل الألفية أن تخمة الأعباء وثقل المسئولية الملقاة على عاتقك وعاتق أقرانك تمنعك من مجرد التفكير في إجابة أخرى غير تلك التي أجبتني بها حتى ولو بمجرد ايماءه اعتراض أو تأفف ، وكيف تتأفف عزيزي؟ وأنت من كُتب عليك الشقاء والعناء ، لترضي طموح أبويك من ناحية ، وتكفي احتياجات أبناءك من ناحية أخرى.
على الرغم من أن هذا الجيل استطاع أن يعاصر أصالة ورُقي الماضي في أواخر عهوده، وأن يكمل بعد ذلك مسيرة التطور التكنولوجي والمعلوماتي الهائل في السنوات القلائل التي تلت ذلك ، واستطاع أن يرى أمام عينيه كل الأشياء كبيرها وصغيرها ، وهي تأخذ في التطور والتحور عما ألف واعتاد ، وكل الأشياء تتغير وتتبدل أمام عينيه إلا أحلامه وطموحاته التي لا تزيد سرعتها عن الصفر، وهذا ما يدفع ابن جيل الألفية برأيي لتوقع أن الجميع أسعد منه ... فهو جيل قد شاخ قبل آوانه .