محمد عبد اللطيف يكتب: رحلة حيتان الإسكان التعاوني من الفقر إلى مئات الملايين
خط أحمر"كان مالي ما كنت في حالي" دندنت بهذا المقطع من أغنية ل عبدالحليم حافظ، بعدما وجدتني غارقاً في بحر من التفاصيل الصادمة، وساخراً من نفسي علي تلبية دعوة، للاطلاع علي فضائح قطاع كان يوماً ما مهماً، فالدندنة كانت تعبيراً عن حالي، وأنا اتابع مهازل تثير الغثيان، لو انصرفت عنها، لكان حالي مثل حال ذوي الضمائر الخربة، ولو تعاطيت معها، لكان "القرف" بالنسبة لي حديقة للنزهة، وفي الحالتين، كان لزاماً عليّ ترديد " كان مالي ما كنت في حالي" .
فأنا لم أكن أتوقع، أن مقالنا السابق، بعنوان " الفئران المترهلة في الاسكان التعاوني "، سيكون بمثابة قنبلة، تطايرت شظاياها،و أحدثت ضجيجاً واسعاً ، تفاعلت معه جهات مهمة، و أيضاً، كان دافعاً لكثيرين، أن يتسابقوا الإفصاح عن ما بحوزتهم من معلومات طازجة وشهية، وأوراق صادمة، تؤكد أن ما تناولته، لم يكن سوي قمة جبل الجليد، الذي يغطي بحيرة من المياه الآسنة، تسبح فيها حيتان متوحشة ، تشبه الفئران المترهلة، التي تخشي المواجهة، ولا تقوي علي الهروب، فالوقائع مثيرة، وكافية لأن تقيم الدنيا ولا تقعدها، ولما لا وحجم الفساد بلغ درجة مرعبة.
الوقائع التي بحوزتي لم تكن بعيدة عن الجهات المعنية بمكافحة الفساد، وفي مقدمتها الرقابة الإدارية، التي ترصد كل كبيرة وصغيرة،وشجعت علي حل المجلس السابق، وتعيين مجلس مؤقت .
المهازل ليس لها سقف ، و لا تتوقف عند حدود معينة، يمكن الامساك بها، أو إلقاء الضوء عليها، فالأمور تجاوزت كل الحدود، وأصبح كل شئ مباح ، من السمسرة الي فرض الاتاوات علي المقاولين والمكاتب الاستشارية، فلم يكن غريباً علي نجم الفساد الذي لم يسبق له مثيل منذ نشأة الاتحاد وحتي الآن، الا يلتفت الي توصيات نيابة أمن الدولة العليا، ولا توصيات الجهة الإدارية وهي هيئة تعاونيات الاسكان والبناء، بابعاد أحد أعضاء مجلس الإدارة ، لسوء سمعته وتورطه في قضية رشوة وإسقاط عضويته كرئيس لاحدي جمعيات الاسكان بأسيوط، فضرب "مشهلاتي" الاتحاد بكل هذه التوصيات عرض الحائط، وأخفي المذكرات في درج مكتب،" ولا مين شاف ولا مين دري " .
ولأن بعض، وليس كل أعضاء مجلس الإدارة " المنحل" احترفوا تخليص مصالح الجمعيات ب "العمولات" وبالمناسبة كلمة العمولات هي تجميل للمصطلح، تماشياً مع لغة العصر ، لأن التسمية الحقيقية " رشاوي"، وقد بلغت أرقاماً تثير الدهشة، فالمطور العقاري يدفع من 10الي 12 مليون جنيه، وهم عليهم تقنين الاسناد بالأمر المباشر لاحدي الشركات، ويكون المقاول "الذي دفع شخص" معلوم ومعروف مسبقاً،أما عقد الاستشاري فحدث ولا حرج، بلغت تسعيرته 800الف جنيه، وهناك بعض المكاتب الاستشارية، تقبل التعاقد مجاناً، طيب ليه ؟.... قول أنت يا فكيك زمانك .
جانب آخر ، يتعلق بالموظف "الوسيط " الذي يمثل حلقة الوصل بين المطور و الفهلوية، والمقصود بالفهلوية هما اثنين من أعضاء المجلس أو الأباطرة، أحدهما ينفق علي العزومات والسفريات والحصول علي إقامة باحدي الدول ، أما الثاني فيحصل علي النسبة الأكبر "مشفية" لأنه الكبير " اللي جاب الكل "، فيسافر الي الدولة العربية بالإقامة التي حصل عليها علي حساب زميله، وتكون سفرياته للفسحة وجلب الهدايا، كما يحصل الوسيط علي 500 ألف جنيه كحد أدني، ويزيد المبلغ حسب حجم المقاولة، ويتم "تظبيط" الصفقات المشبوهة داخل مقر شركة بالجيزة، مملوكة لأحد المقاولين، ثم نصف مليون جنيه، للمسؤول عن تقنين المخالفات، والباسها ثياب قانونية ،
وبالمناسبة، المسؤول عن تقنين الصفقات السرية، سجله حافل بالفضائح، حيث تم أبعاده قبل ثلاث سنوات، لارتكابه جريمة تتعلق بأخلاقيات مهنته، أما سبب الابعاد عن العمل، فتم علي خلفية اكتشاف عمليات احتيالية، لا يجرؤ عليها إلا فاجر ، مفادها قيامه بتمثيل الاتحاد و تمثيل المقاولين المتنازعين مع الاتحاد في وقت واحد، يعني بيمثل جهة عمله وخصومها في نفس الوقت، لكن الفئران المترهلة كانوا في حاجة لمثل هذه النوعية من الموظفين، ليمكنهم من تمرير "بلاويهم"، فأعادوه للخرابة مرة أخري، و كأن شيئاّ لم يكن، بل سرعان ما أصبح الكل في الكل، متجاوزاً الترقي عن طريق اللوائح او الأقدميات، المتعارف عليها، لأنه "فلتة زمانه" .
ولذا أصبح من الضروري، علي المجلس المؤقت ان أراد الإصلاح وتطهير القطاع، مراجعة الملفات السوداء، لبعض موظفي الاتحاد، وتشكيل لجنة قانونية من مستشاري مجلس الدولة و خبراء قانون التعاون، لفحص البلاوي، قبل أن يجروا المجلس المؤقت الي الهاوية .
وعلي الجانب الآخر من الأحداث الملتهبة، داخل أروقة الاتحاد، وما سوف تقود اليه انعكساتها السلبية، علي 3200 جمعية إسكانية، من تهديد لمصالح نحو 7 ملايين مواطن، أعضاء بتلك الجمعيات، يعكف حالياً المستشار أشرف عبدالحليم خبير قانون التعاون، علي اعداد ملف متخم بالأوراق،و التي قطعاً ستنفجر في وجه الجميع، وذلك لمناقشة محتوياته مع المهندس شريف الشربيني، وزير الإسكان والمرافق، قبل تسليمه للرقابة الإدارية نهاية الاسبوع الجاري ، ومن المتوقع أن تقوم الأجهزة المعنية بفحص الثروات خلال أيام، بفتح ملف أحد أباطرة القطاع، والذي تضخمت ثروته بصورة مرعبة .