جمال رشدي يكتب.. مدرسة وحفرة ومستشفي


كانت هناك مدينة بها مدرسة، جاء الصبية والأطفال يلعبون أمامها فحفروا بعض الحفر الصغيرة ، لم ينتهرهم أو يمنعهم أو يعاقبهم احد، فانتشرت الحفر وبدأ أطفال المدرسة أثناء خروجهم ودخولهم يسقطون فيها، في البداية كان تأثير الحفرة علي الأطفال طفيف، ولكن مع مرور الوقت اتسعت الحفر وازدادت عمقاً وبدأت الإصابات تلاحق الطلبة.
ورغم ذلك لم يفكر المسئولين بردم الحفر ومنع الأطفال من اللعب فيها وتوسيعها، رويداً رويداً أصبحت إصابات الحفر للطلبة أكثر خطورة ولا تجدي معها الإسعافات الأولية ، فبدأ المسئولين يفكروا في حل للمشكلة، وكان قرارهم هو بناء مستشفي أمام المدرسة لمعالجة الطلبة من إصابات وكسور الحفر وقد كان.
ومع مرور الوقت اتسعت الحفر وأصبحت أبيار تتكدس فيها النفايات والماء العفن وتخرج منها الرائحة الكريهة والحشرات، وتحولت الخطورة من إصابات الطلبة إلي بعض حالات الموت والإعاقات والإصابات المزمنة ، وأيضاً في كل هذا ما زال المسئولين يفكرون في كيفية معالجة المشكلة التي تحولت إلي أزمة مستعصية، فقرروا بناء جناح آخر للمستشفي ووضع ثلاجات لجثث ألموتي لحين تشريحها وفحصها ومن ثم نقلها إلي ذويهم.
ولمواجهة مشكلات الرائحة الكريهة والحشرات والقمامة التي امتلأت بها الابيار، قرر المسئولين استخدام سيارات رش في المكان لقتل الحشرات الطائرة، ومع مرور السنوات اصبح طلاب المدارس المصابين بإصابات مزمنة منها إعاقات جسدية ونفسية وربما أخلاقية في مواقع المسئولية، فمنهم الدكتور والمهندس والمحامي والطبيب والمحاسب والفني والفلاح والعامل.
وهكذا أصبحت الحفر التي أمام المدارس هي التي تحكم المدينة وكل مفاصلها ومؤسساتها، فأصبحت ثقافة الحفرة سائدة ومقننه وطبيعية وواقع يعيشه سكان المدينة ، وأصبحت الحشرات والرائحة الكريهة هي البيئية الاجتماعية التي يعيش فيها سكان المدينة. وانحدر كل شئ وفشلت مؤسسات المدينة وساد الفقر والجوع والجهل والتطرف معظم سكان المدينة لأنهم أولاد تلك البيئة الثقافية والاجتماعية التي صنعوها بأيدهم، فمعظمهم لديه إعاقات وإصابات ثقافية وعلمية واجتماعية وأخلاقية جعلته مستسلم تماماً للوضع الذي يعيش فيه.
السادة المسئولين منهم التنفيذيين والتشريعين والأمنيين والإعلاميين والمتخصصين في كل المجالات، هل تعلموا أننا جميعاً أبناء تلك الحفرة والتي بدأت منذ عقود طويلة وأهملتها أنظمة الحكم المتعاقبة وأساءت التعامل معها بعمد أو بدون عمد، بدءً من نظام عبد الناصر مروراً بنظام السادات ، وتحولت الحفرة إلي ابيار كبيرة للقمامة والنفايات والمياة العفنة في عصر مبارك، الذي حول كل مصر إلي بئر فساد عفن، وكانت رائحته كريهة جدا والتي تجسدت في حكم جماعة الأخوان الإرهابية، وجاء النظام الحالي ليجد نفسه بالفعل أمام أشلاء دولة تم تمزيق أواصر مؤسساتها ويحكمها كل ابناء ذلك البئر العفن، وهم في الغالب مصابون بإعاقات وإصابات نفسية وعلمية وثقافية مزمنة.
طرحي هنا لا أرسله إلي المسئولين الذين هم ابناء ذلك البئر العفن، لكن سيكون طرحي إلي السيد رئيس الجمهورية الذي يبذل مجهود ضخم وكبير للسيطرة علي حشرات البئر وروائحه وأضراره.
سيدي الرئيس ، علم الإدارة يقول من مكان المشكلة يبدأ الحل، فعلينا جميعا الذهاب إلي المدرسة، وقبل الدخول بها علينا أن ننظف ذلك البئر جيداً وكل ما بداخله ومن ثم ردمه بتربة جيدة ، وبعدها ندخل إلي المدرسة وإعدام منهج التعليم الذي يعلم أولادنا كيفية تخطي ذلك البئر وليس ردمه، ونضع لهم منهج تعليم يعلمهم الزراعة والصناعة وحب الوطن .
وبعدها نخرج إلي الخارج ونستغني عن خدمات المستشفيات التي بنيت لمعالجة إصابات البئر، ونحولها إلي معامل وأبحاث علمية بحيث يخرج الطالب من المدرسة إلي مبني البحث العلمي أمامه، فيتعلم كيف يكون فيما بعد لخدمة الوطن، ومن ثم يخرج هؤلاء من معامل البحث العلمي إلي مفاصل الدولة موظفين ومسئولين أسوياء التكوين النفسي والعلمي والثقافي والأخلاقي. " هكذا يتم إدارة ملفات الدولة سيدي الرئيس".
ولتفعل ذلك لابد أن نتخذ تلك الإجراءات 1. تعريف وتقنين الفساد ووضعه تحت مقصه الحكم العسكري " هنا البداية الحقيقة لردم البئر"، 2. تطهير مؤسسات الدولة من جماعة الأخوان وكل من علي شاكلتهم " هنا تطهير مصر من حشرات البئر ورائحته الكريهة" 3 . تشكيل لجنة تعليم من الخبراء والمتخصصين تكون تابعة لرئاسة الجمهورية، تقوم بصياغة مناهج التعليم لكل المراحل، من الروضة والابتدائي والإعدادي والثانوي " هنا تغير الواقع الثقافي الذي زرعه البئر داخل ثقافة الطلبة والتعليم المصري، 4 . الاهتمام ببناء المدارس ومعامل الأبحاث العلمي وورش العملي " وذلك لبناء مكونات مواطن صالح يخدم وطنه ، 5 . إنشاء شركة تحت مسمي تحيا مصر علي مستوي الجمهورية تحتضن كل أصحاب الكفاءات والتخصصات العلمية المتنوعة ،يكون لها فرع من كل محافظة علي أن يكون ذلك الفرع به ابناء المحافظة من أصحاب الكفاءات والتخصصات، دور هذه الشركة هو تعيين المسؤليين المحليين طبقا لاختيارات علمية تتماشي مع ثقافة كل محافظة ومدينة ومجلس قروي وحي، علي أن تضع إستراتيجية عمل متنوعة للقضاء علي المشكلات وقيادة عملية لتنمية الشاملة معتمده علي مخرجات موار المكان " هناك دراسة باسم بناء مصر من القاع للقمة قد كتبتها ونشرتها سابقاً بها كل التفاصيل،6 .ضم كل التعليم تحت لواء وزارة التعليم المصري وعدم السماح بوجود تعليم خارج ذلك الإطار 7 . نسف وزارة التنمية المحلية وتعميد شركة تحيا مصر لتشكيل وزارة طبقا لحاجة الحالة المصرية، " تلك الوزارة هي الحفرة التي تحولت إلي بئر عفن " 8 . وقف الزيادة السكانية الشرسة التي هي نتاج أمراض ذلك البئر لان في وجودها تتوالد أمراض موروثة كثيرة من أمراض البئر وتلك الزيادة ستلتهم أي مجهود للتنمية.
كل ما ذكرته هو رؤية كاتب حاول تشخيص الوضع المصري ووضعه داخل قالب تخيلي لتصل الصورة كاملة إلي المسئولين والتي اعلم إنهم علي علم بتلك الصورة ويبذلون جهد كبير للعمل والبناء، ولكن لابد أن تكون حالة التشخيص سليمة حتى يكون العلاج نافع وفعال.