منصور جبر يكتب: تراجَع


لستَ عالما بكل شيء، ولستَ خبيرا في كل فن، لذلك اعرف حدود نفسك وتراجع.
تنقضّ اللبوة على فريسة ما، وتبدأ في تناول طعامها بِنَهَم، ولما ترى قطيعا من الضباع حولها تهرب وتتراجع.
تسير في طريق سريع بمسار واحد، وتحاول أن تتجاوز سيارة أمامك، ولمّا تكون بمحاذاتها تصادفك سيارة قادمة مسرعة، فمن الحكمة أن تعود إلى مكانك وتتراجع.
تتخذ قرارا في عملك لمرؤوسيك أو في منزلك، وتصر على تطبيقه، ويتضح لك أن غيره أولى، فمن الشجاعة أن تتنازل عن قرارك وتتراجع.
تبدأ في عمل حر، وتتخذ اتجاها خاطئا، فتنهال عليك الخسائر، إياك أن تعاند، بل تراجع.
تحاورتَ مع زوجتك، واختلفتما في أمر، إذا اكتشفت الآن أو بعد فترة أن كلامها صواب، من اللباقة أن تخبرها بذلك وتتراجع.
دخلتَ إلى سوق لشراء غرض ما، ولم تتفقا في السعر، وخرجت من عنده، ثم تبادر إلى ذهنك أن السعر الذي قاله البائع مناسب لذلك المنتج، لماذا تُكابر؟! بل تراجع وعُد إليه واشترِ ذلك الغرض.
تزوجتما، ولكن دب الخلاف بينكما، وزادت الهوَّة، وعلَت أصواتكما، واكتشفتَ أنكما منفصلين روحيا، ولن تتفقا أبدا، يمكنك حينها أن تتراجع، وتذكر: {وإن يتفرقا يغنِ الله كلا من سَعَتِه}.
أنتَ في مكان مرموق، وقصَّر موظف في أدائه، فغضبتَ وقلتَ كلاما ليس مناسبا، وبعد أن سكَتَ غضبُك؛ شعرت أنك أسأتَ إليه، اذهب إلى مكتبه مباشرة واعتذر له أمام أصدقائه، فمن الوفاء أن تتراجع.
جرَّهُ قرناء السوء فتعلم سلوكا ليس حميدا، ونازعته نفسه اللوامة، اترك ذلك السلوك بسرعة وتراجع.
تجلس وحدك أو مع أصدقائك فتسرح في أفكار سوداوية، ويهيم ذهنك في سلسلة من الخيال البائس، احمد الله على العافية وتراجع.
في لقاء علمي أو مع أصدقائك تختلفون في مسألة ما، وتتجادلون جدالا عقيما دخل فيه الانتصار للرأي، لا تنجرَّ وراء ذلك، بل توقف وتراجع.
بدأت تدرس في تخصص ما، ومرت فترة ليست يالقليلة، وتبين لك أن هذا التخصص ليس مناسبا، تستطيع أن تتدارك ما تبقى وتغير تخصصك وتتراجع.
إن تبين لك أن قول ابنك الأصغر أو ابنتك المهذبة هو أقرب للصواب، فتراجع.
تعاند وتستمر في عنادك، ثم تعلم أنه خير لك أن تتراجع.
تراجع، فقد تراجع الأنبياء، وتراجع الفقهاء والعلماء، وتراجع العباقرة والحكماء، والعاقل هو الذي إن ظهر له الصواب عاد إليه وتراجع.